Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

مقدمــــــــة:

إن الإثبـات بمعناه القانوني هو إقامة الدليل على واقعة قانونية بالطرق التي رسمها و حددها القانون إذا فإثبات الحق هو إقامة الحجة عليه و الحق بدون دليل هو و العدم سواء إذ لا فائدة من الادعاء أمام القضاء إذا كان المدعي لا يملك الحجة التي تجعله يصل إلى مبتغاه من الالتجاء إلى المحكمـة و لما كانت الكتابة من أهم وسائل و طرق التعامل في العصر الحديث نظرا لما توفره للأطراف من ضمانات سواء من ناحية الاحتفاظ بها أو من إمكانية إعدادها مسبقا كدليل إثبات ، فلقد اهتم المشرع الجزائري على غرار التشريعات المقارنة بتحديد الشروط الواجبة فيها و كذا تبيان حجيتها كدليل إثبات والطرق المقررة قانونا لدحض هذه الحجية.

إن الإثبات عن طريق الكتابة لم يبقى في شكله التقليدي فقط و إنما ظهر مفهوم جديد و حديث لهذه المحررات ألا وهي المحررات الالكترونية .

و تظهر أهمية اختيارنا لهذا الموضوع من خلال عدة نقاط أبرزها:

  • الأهمية الكبيرة من الناحية العملية و التطبيقية للكتابة سواء المحررات الرسمية أو المحررات العرفية في الإثبات أمام القاضي المدني .
  • نتيجة للثورة الفكرية والتكنولوجية بدأت الحاجة الى المحررات الالكترونية لاستعمالها في المعاملات اليومية من طرف الأفراد أو المؤسسات.
  • مواكبة آخر التعديلات فيما يتعلق بموضوع الإثبات خاصة ما يتعلق بالأحكام المتعلقة بالمحررات وفقا للقانون 05-10 ([1]).
  • الخلط الكبيرفي الواقع العملي ما بين التصرف القانوني ووسيلة إثباته.
  • اقامة الدليل هوركيزة العمل القضائي أمام الأقسام المدنية وذلك من خلال إثبات الالتــــزام و التخلص منه طبقا لنص المادة 323 من القانون المدني .

لقد تناول المشرع الجزائري موضوع الكتابة كدليل إثبات في الباب السادس المتعلق بإثبات الالتزام من الكتاب الثاني المعنون بالالتزامات و العقود ذلك من المواد 323 إلى 332 من القانون المـدني و لقد تناولها فــي ثلاثة مواضيع رئيسية:

1 - المحررات([2]) الرسمية 2 - المحررات العرفية 3 - المحررات الالكترونية

إذا فالكتابة سواء كانت عن طريق المحررات الرسمية أو العرفية أو في شكلها الحديث الالكتروني تعد أوثق و أهم دليل في الإثبات نظرا لما لها من ميزات و خصائص لا توجد في باقي الأدلة الأخرى ، إلا أن هذا الأمر لا يعني أنها تخلوا من العيوب التي قد تجعل حجيتها مهب الريبة،فهي معرضــــة للتزويـــر، أو الإنكار وبعض الأحيان قد تكون مخالفة للإجراءات مما يجعلها عرضة للبطلان .

إن موضوع الإثبات عن طريق المحررات الرسمية و المحررات العرفية في شكلها التقليدي والحديث يطرح جملة من الإشكالات القانونية ، ولقد اخترنا ان تكون معالجتنا لهذا الموضوع انطلاقا من الإجابة عن الإشكالية التالية : ما مدى حجية المحررات الرسمية والعرفية سواء في شكلها التقليدي أو الحديث في التشريع المدني الجزائري ؟ وهل يمكن دحض هذه الحجية و ما الوسائل الكفيلة لذلك ؟

ونظرا لطبيعة بحثنا هذا فالحاجة إلى استعمال المنهج الوصفي لازمة بالإضافة إلى المنهج التحليلي الذي سوف نستعين به في تحليلنا إما للمواد القانونية ، الآراء الفقهية أو حتى الأحكام القضائية مستندين في بعض الأحيان على المنهج المقارن خاصة بالنسبة للأحكام التي لم يرد فيها نص أو التي تتضمن أحكام غامضة أو التي تكون محل اختلاف في تشريعنا الداخلي.

أما عن الصعوبات التي واجهتنا في بحثنا هذا، فرغم أن الإثبات عن طريق الكتابة يعد من المواضيع الكلاسيكية التي تزخر بالكم الهائل من المراجع ، إلا أن المسألة فيها من العراقيل ما فيها خاصة ما يتعلق بالمحررات الالكترونية وذلك أمام اقتصار تشريعنا الداخلي على تقرير المبدأ العام فقط و كذا انعدام المراجع و التطبيقات القضائية.

ولمعالجة هذه الإشكالات القانونية سوف نتناول موضوعنا بالتفصيل التالي مقسمين بحثنا إلى فصلين نتناول في الفصل الأول المحررات الرسمية و العرفية و ذلك في شكلها التقليدي و الحديث مركزين دراستها في المفاهيم و الشروط المستلزمة قانونا فيها أما في الفصل الثاني نخصصه لموضوع حجية هذه المحــررات و الوسائل الكفيلة لدحض حجيتها كل نقطة في مبحث مستقل سواء تعلق الأمر بالمحررات في شكلها التقليدي و الحديث.

الفصل الأول : المحررات الرسميـــــــــــــــــة و العرفية

تكتسي العقود (المحررات ) الرسمية و العرفية أهمية بالغة في الإثبات خاصة في الأقسام المدنية ذلك أن الهدف من اللجوء إلى العدالة هو إقامة الدليل من اجل إثبات حق أو نفي ادعــاء خصــم.

ولذا فقد أحاطها المشرع بعناية خاصة ذلك من خلال تحديد شروطها و الآثار المترتبة عن تخلف احد هذه الشروط .

ان المحررات الرسمية و العرفية قد تكون في شكلها التقليدي المجسد على دعامة مادية ورقية بغض النظر عن صفة محررها افراد عاديين كانوا او موظفين عموميين .

و بفضل التطورات العلمية الحديثة و الحاجة الى سرعة المعاملات و المبادلات ما بين الافراد في اطار التعاقد عن بعد ادى ذلك الى اللجوء لوسائل توازي هذه التطورات و تتماشى و طبيعتها الالكترونية.

و لمواكبة هذه التطورات تدخل المشرع الجزائري من اجل تتنظيم هذا المفهوم الجديد للمحررات([3]) الرسمية و العرفية بمفتضى القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 يونيو 2005 .

سنتناول خلال هذا الفصل الأول المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهـوم التقليدي و الحديث وذلك من خلال المبحثين التاليين .

المبحث الأول : المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهوم التقليدي.

لما كان الإثبات عن طريق الكتابة من أضمن و أقوى أدلة الإثبات على الإطلاق فقد اهتم المشرع بتبيان الشروط التي تكون لازمة فيها ، و المحررات إما رسمية او عرفية ، فان كانت هذه الأخيرة من اصطناع الافراد أنفسهم فان المحررات الرسمية تكون من اصطناع أشخاص معينين و بشروط معينة ،وهو ما سنراه في المطلبين التاليين الذي خصصنا الأول للمحررات الرسمية أما الثاني فخصصناه للمحررات العرفية لنتناول في كل مطلب مفهومها و شروطها و كل ذلك حسب المفهوم التقليدي.

المطلب الأول : المحررات الرسمية حسب المفهوم التقليدي .

سنتطرق في هذا المطلب إلى أهم التعريفات الفقهية و القانونية التي أعطيت للمحـررات الرسميـة و كذا شروط صحتها و الأثر المترتب عن تخلف أحد هذه الشروط و ذلك في الفرع الأول و الثاني على التوالي.

الفرع الأول: مفهوم المحررات الرسمية.

لقد وردت عدة تعريفات فقهية للمحررات الرسمية حسب المفهوم التقليدي أما عن المفهوم القانوني سواء في التشريع الجزائري أو التشريعات المقارنة فجلها قدمت مفاهيم عضوية لا غير .

و سنرى ذلك في النقطتين التاليتين .

  • أولا : المفهوم الفقهي:

قام العديد من الفقهاء بوضع تعريف للمحررات الرسمية و من بينهم نجد الدكتور السنهوري الذي يعرفها بأنها: " أوراق رسمية يقوم بتحريرها موظف عام مختص وفقا للأوضاع المقررة و هي كثيرة و متنوعة منها الأوراق الرسمية المدنية كتلك التي تثبت العقود و التصرفات المدنية ، و منها الأوراق الرسمية العامة كالقرارات الإدارية و القوانين و المعاهدات و منها الأوراق الرسمية القضائية كعرائض الدعوى وأوراق المحضرين و محاضر الجلسات و الأحكام " ([4]) .

و عرفها الأستاذ محمد زهدور بأنها : " الأوراق التي تحرر بمعرفة شخص ذي صفة رسمية أي موظف من موظفي الدولة أو شخص مكلف بخدمة عامة "([5]).

أما الأستاذ يحي بكوش فيعرفها بأنها : " الأوراق التي يقوم موظف عام مختص بتحريرها وفقا لأحكام قانونية و هي كثيرة و متنوعة"([6]) .

اذا فهي الأوراق (المحررات) التي يقوم بتحريرها موظف عام او ضابط عمومي او شخص مكلف بخدمة عمومية مختص وفقا لأحكام قانونية مقررة ، و تـختلف هذه الأوراق باختـلاف محرريها .

  • ثانيا : المفهوم القانوني:

عرفها المشرع الجزائري في نص المادة 324 من القانون المدني بقوله :"العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ، ما تم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن و ذلك طبقا للأشكال القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه".

أما المشرع المصري فنجده قد عرفها بموجب المادة 10 من قانون الإثبات([7]) بنصه: "هي المحررات التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه مــن ذوي الشـأن و ذلك طبقا للأوضاع القانونية،و في حدود سلطته و اختصاصه".

الملاحظ أن كلا من التشريعين الجزائري و المصري أعطيا نفس التعريف العضوي للمحررات الرسمية في شكلها التقليدي و ان لم يكن تعريفا خالصا بل مضمونه جملة من الشروط.

الفرع الثاني : الشروط الواجب توافرها في المحررات الرسمية

بالاستناد إلى التعريفات الفقهية و القانونية للمحررات الرسمية يمكن إجمال شروط صحة المحررات الرسمية في ما يلي :

  • أولا: صدور المحرر من موظف أو ضابط عمومي أو شخــص مكلف بخدمة عامة:

يشترط القانون ان تصدر هذه المحررات من طرف الاشخاص الذين عددتهم المادة 324 من القانون المدني و التي ميزت ما بين ثلاثة أشخاص مخولين قانونا لتحرير هذه المحررات الرسمية و هذا التمييز لم يأتي هكذا عبثا و لكن له ما يبرره نظرا للاختلاف في المركز القانوني لكل فئة وبالتالي فان أي محرر غير صادر من طرف الأشخاص الذين عددتهم المادة المذكورة أعلاه لا يعتبر رسميا ، أما الأشخاص الذين عددتهم المادة 324 من القانون المدني هم:

- الموظف العام: هو كل شخص تعينه الدولة للقيام بعمل من أعمالها ويتنوع الموظفون العموميون بتنوع السندات الرسمية التي يصدرونها، و يدخل في هذا المفهوم جميع موظفي الدولة بمختلف مصالحها المركزية و الخارجية ، الولايـة و البلديـة و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري و المؤسسات العمومية و الإدارات ذات الطابع العلمي و الثقافي و المهـــني و المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمــي و التكنولوجي.

- الضابط العمومي: هو كل شخص يعطي له القانون هذه الصفة و نذكر على سبيل المثال لا الحصر من يعتبر من الضباط العموميين الموثق([8]) المحضر القضائي([9]) ، المترجم ، و حتى الموظف المكلف بالوظيفة القنصلية ([10]).

- الشخص المكلف بخدمة عامة: وهو كل شخص يشغل منصبا ما بمقتضى قرار إداري أو بمقتضى عقد سواء أكان مأجور أو غير مأجور، تابع لجهاز مركزي أو محلي أو هيئة عامة تابعة للدولة أو كان يعمل تحت سلطة جهاز إداري،و لعل أحسن مثال لنا في الخبراء الذين تنتدبهم المحكمة لإجراء خبرة فنية ويعد ما يقومون به من قبيل المحررات الرسمية([11]).

أما المقصود بصدورها من أحد هؤلاء الأشخاص هو أن يكون المحرر صادرا بإسم الموظف أو موقعا من طرفه ولا يشترط أن يكون محررا بيده، و معنى هذا الكلام أن ينسب المحرر لأحد هؤلاء الأشخاص.

  • ثانيا : أن يتم تحرير المحرر في حدود سلطته و اختصاصه:

تشترط المادة 324 من القانون المدني السالفة الذكر إضافة إلى الشرط الأول أن يتم تحرير المحرر في حدود سلطة هذا الموظف العام أو الضابط العمومي أو الشخص المكلف بخدمة عامـة و في دائرة اختصاصه.

و معنى ان يتم تحرير المحرر في حدود سلطته حسب ما يراه الدكتور عبد الرزاق السنهوري هو أن يكون للموظف الولاية الكاملة من حيث التحرير و أهلية من حيث عدم وجود مانع شخصــي بـه و أن يكون له اختصاص موضوعي من حيث نـوع المحـرر الرسمي ، أما الاختصاص فاقتصاره يكون على الاختصاص المكاني فقط ([12]).

و نعني بالولاية أن يكون للموظف الولاية القانونية في تحرير هذه المحررات وذلك بان يكون تعينه قانونيا فان كان غير معين أو تم عزله أو إيقافه عن العمل أو نقله فان المحرر يكون باطلا، بالاضافة الى ان يكون اهلا لتحرير هذه المحررات.

كما يجب أن يكون مختصا نوعيا من خلال نوع المحررات الرسمية، فالقاضي يصدر الأحكام القضائية و الموثق يصدر العقود التوثيقية و ضابط الحالة المدنية مختص في تسجيل الولادات و الوفيات.

أما أن يكون في حدود اختصاصه فالمقصود به الاختصاص الإقليمي أي المكاني وهو ممارسة وظائفه في حيز مكاني محدد او في دائرة اختصاص الهيئة الإدارية المحدد إما قانونا أو تنظيميا.

  • ثالثا:أن يتم تحرير المحرر وفق الأشكال التي حددها القانون:

يحدد القانون للموظف أو الضابط العمومي أو المكلف بالخدمة العامة عند ممارسة مهامه مجموعة من الشكليات التي يجب مراعاتها تحت طائلة البطلان و بالتالي عدم إضفاء طابع الرسمية على الورقة المحررة التي لم تتم فيها مراعاة الأشكال القانونية ، و هذه الاوضاع و الشكليات تختلف حسب نوع المحرر و لتبسيط الصورة سوف نتناول و على سبيل المثال الشروط المستلزمة في المحررات التوثيقية الصادرة من مكاتب التوثيق.

و بالرجوع الى احكام المواد من 324 مكرر 2 إلى 324 مكرر 4 من القانون المدني([13])،وكذا المواد 26 إلى 29 من القانون 06/02 المتعلق بتنظيم مهنة الموثـق و من هذه الشكليات :

- التأكد من شخصية أطراف العقد.

  • توقيع المحرر من قبل ذوي الشأن .
  • حضور شاهدين في العقــود الشكليــة.
  • أن يـكون المحرر مكتوبا بــاللغة العربيــة وفي نص واحد.
  • المصادقة على الإحالات في الهامش أو في أسفــل الصفحات.
  • كتابة المبالغ و السنة و الشهر و يوم التوقيع على العقد بالحروف.
  • عدم تضمينها أي تحوير أو كتابة بين الأسطر او إضافة كلمات.
  • المصـــادقة علـــى الإحــالات في الهـــامش .
  • رابعا: الآثار المترتبة عن تخلف هذه الشروط:

إن ما يخص الآثار المترتبة عن تخلف هذه الشروط فلقد دأب الفقه على التفريق مابين حالة تخلف الشرطين الأول و الثاني و حالة تخلف الشرط الثالث، فإذا صدر المحرر من غير موظف عام أو ضابط عمومـي أو شخص مكلف بخدمة عامة أو بسبب عزله أو عدم تعيينه اصلا أو لانعدام أهليتـــــه أو ولايته في ذلك فان المحرر يعتبر باطلا بطلانا مطلقا بقوة القانون و هنا البطلان يلحق كل العقد لان البطلان لا يتجزأ ، أما إذا تعلق الأمر بالشرط الثالث و المتعلق بضرورة احتــرام الإجــراءات و الشروط القانونية المتطلبة فانه يجب التمييز مـا بين الأوضـــــاع و الإجراءات الجوهرية والإجراءات الغير جوهرية، فإذا تعلقت هذه البيانات بأوضاع جوهرية فان ما يرتب عنها هو بطلان المحرر الرسمي أما إذا تعلقت بأوضاع غير جوهرية فانه لا يؤدي ذلك حتما إلى البطلان ([14]) .

وتعتبر من البيانات الجوهرية في القانون الجزائري على سبيل المثال لا الحصر ذكر اسـم الموثق تاريخ التوثيق ، أصحاب الشأن ، تحديــد موضـوع المحرر ، التوقيع ، بالإضافة إلى ما تشترطه بعض المحررات الرسمية الأخرى كالأحكام القضائية مثلا أو المحررات الإدارية الرسمية.

أما البيانات الغير جوهرية فنذكر منها عدم ترقيم الصفحات ، عدم تسطير الفراغات ، عدم ذكر الإحالات أو الشطب ، عدم دفع الرسوم و الحقوق أو عدم ذكر ساعة التحرير.

ويرى الأستاذ عبد الرحمان ملزي في تعليقه إلى ما ذهب إليه الأستاذ جميل الشرقاوي من أن وصف المحرر بالبطلان لفقده الصفة الرسمية فيه شيء من المغالاة ، ذلك أن وصف البطلان يجب أن يقتصر على التصرف القانوني المعيب لتخلف ركن من أركانه ، أما استخدام هذا الوصف بالنسبة لوسيلة إثبات التصرف و هي المحرر فيه مجاز ليس له ما يبرره ، لهذا فهو يرى أن النقد وجيــــه و لان صحة التصرف القانوني لا تتعلق بصحة المحرر الرسمي المثبت لهما ما لم يكن المحرر الرسمي ركن ركيـن في العقد([15])، كأن يكون مثلا يتعلق بأحد العقود الواردة في نص المادة 324 مكرر 1 من القانون المدني أو يتعلق بإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة أو تطبيقا لأحكام قانونية معينة كعقد الشركة مثلا .

ومهما يكن فان المشرع الجزائري و تطبيقا لأحكام المادة 326 مكرر 2 من القانون المدني فقد جسد مبدأ : تحول العقد الرسمي إلى عقد عرفـــي و ذلك بنصه : "يعتبر العقد غير رسمي بسبب عدم كفاءة أو أهلية الضابط العمومي أو انعدام الشكل، كمحرر عرفي إذا كان موقعا من قبل الأطراف". أي أن تخلف شرط أو أكثر من شروط اكتساب المحرر الصفة الرسمية وان كان يجعله باطلا كمحرر رسمي إلا انه تبقى له قيمة المحرر العرفي متى كان موقعا من ذوي الشأن ما لم تكن الرسمية شرطا للانعقاد أما إذا كان التصرف ملزما لجانب واحد فقط فانه لا يشترط إلا توقيع هذا الجانب فقط بجميع افراده ([16]).

إن هذا الحكم ما هو إلا تطبيقا للقواعد العامة في التشريع الجزائري ذلك انه متى توافرت شروط المحرر العرفي من كتابة وتوقيع كان ذلك كاف لكي يعتبر محررا عرفيا عكس المشرع الفرنسي و اللبناني الذين يشترطان بالإضافة إلى الكتابة والتوقيع شرط تعدد النسخ بالنسبة للعقود التبادلية وهو ما يجعل النص عليه له ما يبرره .

إن التاريخ الوارد في المحـرر الرسمي الباطـل لا يعد تاريخا ثابتا لان البطـلان يمتـد إلى كل ما قـام به الموثـق من أعمال و منها ذكره لتاريـخ التحريـر ، و بالتالي يعد المحرر هنا محررا عرفيـا بسيطـا بغير تاريخ ثابـت ، و لا يصبـح لهذه الورقـة تاريخ ثابـت إلا بإحدى الطرق المنصوص عليهـا قانونـا في المادة 328 من القانون المدني كما سوف يتم تبيانه في حينه .

المطلب الثـاني : المحـررات العرفية حسب المفهوم التقليدي.

لم يعط المشرع الجزائري مفهوما خاصا للمحرر العرفي - الذي اطلق عليـــه اسم العقـــد العرفي- و لو انه جاء في نص القانون بمفهوم عضوي في المادة 327 فقد اشترط ان تكون هنالك كتابة تحمل توقيعا . و المحررات العرفية هي سند يتولى تحريره و توقيعه أشخاص عاديون بدون تدخل الموظف العام ([17])، وهي نوعان محررات أعدت مقدما لتكون دليل إثبات لذلك فهي تحمل توقيعات الأطـراف

و محررات تكون غير معدة للإثبات كالرسائل او الدفاتر التجارية و هي عادة لا تحمل توقيعاتهم .

وسنقسم هذا المطلب إلى فرعين اثنين يتعلق الأول بالمحررات العرفية المعدة للإثبات و في نقطة ثانية المحررات العرفية غير المعدة للإثبات.

الفرع الأول : المحررات العرفية المعدة للإثبات .

إن هذه المحررات معدة مسبقا للإثبات فيما قد يثور من منازعات بين الأطراف مستقبلا و ما يميزها هو توقيع الأطراف عليها، و لقد تولى القانون المدني في مادتيه327و328 تبيان الشروط اللازمة فيهـا وهي الكتابة والتوقيع ([18]).

  • أولا: الكتابة :

يشترط في المحرر العرفي أن يكون متضمنا على كتابة تدل على الغرض الذي أعدت من اجلـــه و منصبه على واقعة معينة يراد الإثبات بها، وليس لازما أن يتولـى الأطراف المتعاقـدون تحريرها بأنفسهم ، بل يمكن أن يقـوم بذلك أي شخـص كان و لا يهم طريقة أو وسيلة أو أسلوب أو لغة الكتابة. كما لا يشترط فيها أن يحضر كتابتها شهود أو ذكر تاريخ و مكان تحريرها و لا يعيب المحرر العرفي وجود تحشير أو إضافات أو كشط .

  • ثانيا : التوقيع:

يعد التوقيع الشرط الأساسي و الجوهري لوجود المحرر العرفي والمقصود بالتوقيع هو أن يضـع الشخص بخـط يـده على المحرر العرفـي لقبـه أو اسمه أو هما معـا أو كنيتـه أو أيـة كتابـة أخرى جرت عادتـه أن يدلل بها على هويتـه ([19])، كما عرف على أنـــه " عــــلامـة أو إشـارة أو بيـان ظاهـر مخطوط اعتاد الشخص على استعماله للتعبير عن موافقتـه على عمـل أو على تصـرف قانونـي بعينـه "([20]) و هو يأخذ عدة أشكال فقد يكون عن طريق الإمضــاء أو بصمة الأصبع.

ان وجود التوقيع على المحرر العرفي يدل على موافقة الموقع مما في العقد ،و لقد جاء في قضاء محكمة النقض المصرية:" بان التوقيع هو المصدر الوحيد لإضفاء الحجية على المحررات العرفية".

و يلزم الاطراف بالتوقيع حسب طبيعة الالتزام فان كان المحرر مثبتا لالتزام من جانب واحد فان هذا الجانب هو الملتزم بالتوقيع دون الأطراف الأخرى ، و ان كان المحرر مثبتا لعقد ملزم لجانبين كعقد الإيجار أو البيع فانه يجب توقيعه من الطرفين ، ولقد جرت العادة ان يكون التوقيع في نهاية الورقة تعبير بالموافقة على كل ما كتب على المحرر و لكن عدم وروده في هذه الحالة لا يعتبر عديم القيمة ، و في حالة ما إذا تمت الكتابة في عدة ورقات يمكن الاكتفاء بتوقيع الورقة الأخيرة شريطة ثبوت الاتصال الوثيق بين سائر أوراق المحرر و يخضع تقدير هذا الاتصال للقاضي.

ان المشرع الجزائري لم يكن يعتد إلا بالامضاء كشكل من أشكال التوقيع ،إلا انه وبموجب القانون 05/10 المؤرخ في 20/06/2005 المعدل للقانون المدني اقر بشكل جديد ألا وهو البصمة بالأصبع([21]).

  • بعض حالات التوقيع الخاصة:
  1. التوقيع في حالة تعدد نسخ المحرر العرفي:

في هذه الحالة يثار إشكال حول مدى الاعتداد بالتوقيع على الكربون ؟

بالرجوع الى التشريع و الاجتهاد القضائي الجزائري لا نجده تناول هذه المسألة ، أما القانون و القضاء المقارن فقد قضى : "التوقيع بالإمضاء او بصمة الختم او بصمة الأصبع هو المصدر القانوني الوحيد لإضفاء الحجة على الأوراق العرفية... ، إذ أن المقصود بالإمضاء هو الكتابة المخطوطة بيــد من تـصدر عنـه و لما كان الإمضاء بالكربون من صنع ذات يد من نسبت إليه ، فان المحرر الموقع عليه بإمضاء الكربون يكون في حقيقته محررا قائما بذاته له حجية في الإثبات ... و كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر هذا المحرر صورة منقولة عن أصلها ليس لها حجية في الإثبات ، فان الحكم إذا بنى قضاءه بعدم قبول دعوى التزوير يكون معيبا بالخطأ على تطبيق القانون" ([22]) ، إلا أن محكمة تولوز ذهبت عكس هذا المذهب و صرحت بأن التوقيع بالكربون لا يعبر بوضوح عن إرادة الموقع لالتزامه بمضمون السنـد و هو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية أيضا، و نرى من جهتنا ان التوقيع الوارد على نسخة المحرر العرفي لا يدل بالكفاية عن ارادة موقعها و هو ما يجعل راي محكمة النقض الفرنسية الاكثر صحة.

  1. التوقيع بالوكالة :

هنا نرجع إلى مضمون الوكالة نفسها فمتى كان سند الوكالة يسمح بذلك وجب على الوكيل أن يوقع بإمضائه هو أي باسمه مع ذكر صفته كوكيل أما إذا قام بالتوقيع باسم موكله أو قلد توقيعه يكون التوقيع باطلا.

  1. التوقيع على بياض:

قد يحدث أن يقوم احد الأطراف بالتوقيع على ورقة بيضاء و يترك مسألة ملئ البيانات للطرف الآخر بناءا على اتفاق مسبق بينهما فيقوم محرر هذه الورقة بتدوين بيانات غير التي اتفقـا عليها فإذا تمت هذه الكتابة على التوقيع كانت حجة على موقعها مادامت مستوفية لشــروط المحــرر العرفي و لكن للملتزم بها أن يدحض هذه الحجية كأن يثبت بان ما دون عليها مخالف لما ورد عليــه الاتفاق و لكنه غير حر في الإثبات إذ تحكمه قاعدة انه لا يجوز إثبات ما ورد في الكتابة إلا بالكتابة ، فإذا نجح في ذلك عد محرر الورقة مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة ، أما إذا تولى ملئ هذا المحرر الموقع شخص من الغير و قام بتغيير الحقيقة فهذا يعد تزويرا و يجوز إثباته بكافة الطرق المتاحة لأنه يعتبر واقعة مادية.

و إذا كان من سلمت له الورقة متعاقد مع الغير بناءا على ما كتب فيها و كان هذا الغير حسن النية فإن الموقع على بياض ملزم بما ورد فيها حتى و لو أثبت أن مضمونه يخالف ما أتفق عليه مع من سلمت إليه الورقة التي وقعها على بياض ([23]).

الفرع الثاني : المحررات العرفية غير المعدة للإثبات.

إن المحررات العرفية المعدة للإثبات تعتبر دليل كامل لأن توقيع الملتزم بها يضفي عليها الحجية ، إلا انه و لضرورة عملية أورد المشرع الجزائري على بعض المحررات العرفية حجية معينة و ذلك بنصوص خاصة ، تناولها القانون المدني في المواد من 329 الى 332 و هي : الرسائل ، البرقيات ، دفاتـر التجار ، الدفاتر و الأوراق المنزلية و التأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين.

ولقد ارتأينا أن نتناول في هذا الفرع المحررات العرفية غير المعدة للإثبات حسب الترتيب و التفصيل الذي أتى به المشرع جامعين مابين مفهوم هذه المحررات و حجيتها .

أولا : الرسائل و البرقيات:

نصت المادة 329 من القانون المدني بقولها :" تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الأوراق العرفية من حيث الإثبات .

و تكون للبرقيات هذه القيمة أيضا إذا كان أصلها المودع في مكتب التصدير موقعا عليه مـن مرسلها و تعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك.

و إذا اتلف أصل البرقية فلا تعتبر نسختها إلا لمجرد الاستئناس".

انطلاقا من هذا النص سوف نتولى دراسة حجية الرسائل ثم البرقية على التوالي.

1- الرسائــــل:

يستخلص من المادة المذكورة أعلاه أن المشرع أضفى على الرسالة نفس حجية المحرر العرفي متى كانت موقعة ، وبالتالي فإنها تصلح كدليل كتابي كامل متى كانت تتعلق بواقعة معينة و كانت حاملة لتوقيع الملتزم بها – المرسل – أي أن الرسالة الموقعة تأخذ نفس أحكام المحرر العرفي من حيث الحجيـة و كذا من حيث وجوب ثبوت التاريخ للاحتجاج بها على الغير ([24]).و في حالة ما إذا كانت غير موقعة و مكتوبة بخط المرسل اعتبرت مبدأ ثبوت بالكتابة ([25]).

و لقد دأب الفقه على انه للاحتجاج بالرسالة الموقعة لابد من توافر بعض الشروط نذكر منها :

- ان لا تــكون تحتوي علــى سـر من المرسل .

- أن يكون المرسل اليه قد تحصل عليها بطريق مشروع.

- حق استخدام الرسالة في الإثبات يكون لمالكها و هو المرسل إليه .

اذا فمتى توافرت هذه الشروط بالإضافة إلى التوقيع كانت للرسالة حجة الورقة العرفية([26]) على التفصيل الذي سنراه في حينه.

2 - البرقيـــــات:

جعلت المادة 329 من القانون المدني للبرقية نفس قيمة الرسالة الموقعة والمحرر العرفي إذا كان أصل هذه البرقية المودعة في مكتب التصدير موقعا عليها من المرسل ، أما إذا كان هذا الأصل غير موقع عليه فلا تكون للبرقية أية قيمة في الإثبات .

ولقد أقام المشرع قرينة قانونية مفادها انه متى كان أصل البرقية موقعا و محفوظا في مكتب التصدير افترض مطابقة البرقية للأصل و على من يدعي خلاف ذلك إقامة الدليل العكسي،و يعتبر تاريخ البرقية تاريخا ثابتا لان خاتم المكتب يختم به الأصل الذي يحمل تاريخ الإرسال و يمكن التأكد من صحة التاريخ بالرجوع الى الدفتر المعد لذلك .

و في حالة ما اذا كان أصل البرقية غير موجود في مكاتب التصدير([27]) فهنا لا يعتد بالبرقية إلا على سبيل الاستئناس وفقا لما تقضي به الفقرة الأخيرة من نفس المادة .

  • ثانيا : دفاتر التجار:

جاء نص المادة 330 من التقنين المدني على النحو التالي :"دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار. غير ان هذه الدفاتر عندما تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قام بها التجار، يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى احد الطرفين فيما يكون إثباته بالبينة.

و تكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار، و لكن اذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد استخلاص دليل لنفسه ان يجزئ ما ورد فيها و استبعاد منه ما هو مناقض لدعواه ".

كما ان القانون التجاري يوجب في المواد 9 - 10 – 11 على التجار بان يمسكوا دفاتر معينة ([28]) يقيدون ما يرتبط بتجارتهم سواء كانت حقوقا لهم او ديونا عليهم و نظرا لما لهذه الدفاتر من ضمانات فقد أورد لها المشرع حجية في الإثبات و هي تارة تكون حجة للتاجر و تارة أخرى تكون حجة عليـه و ذلك حسب التفصيل التالي :

1 – دفاتر التاجر حجة له:

حسب الفقرة الأولى من المادة 330 من القانون المدني فان الدفاتر التجارية التي يمسكها التاجر يمكن ان يستدل بها أمام القضاء و ذلك في مواجهة الخصم التاجر و كذا بالنسبة للديون ذات الطبيعة المدنية كاستثناء و لا تخلو المسألة من فرضين :

  • الحالة الأولى : وهي الحالة التي تنص عليها الفقرة الأولى من نص المادة 330 من القانون المدني بنصها أن دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار، وما نصت عليه كذلك المادة 13 من القانون التجاري التي تنص بأنه :"يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال التجارية ".

ومن ثم فإنه يجب أن يكون الخصم تاجرا حتى تكون الدفاتر التجارية حجة له متى كان موضوع النزاع عملا تجاريا ، وتجد هذه القاعدة تفسيرها في أن كلا من التاجرين ملزمين باتخاذ دفاتر معينة وبصفة منتظمة وهذا ما يسمح للقاضي بمقابلة الدفاتر والتأكد من صحة البيانات الواردة بها ([29]) ، ويستطيع القاضي في هذه الحالة أن يقارن دفتر التاجر بدفتر خصمه ويأخذ بالبيانات الواردة في أحداهما ،ومتى اطمئن إليها فيستطيع العمل بها على أنها صحيحة وكافية لإثبات الشيء المدعى به ، كما يمكنه اعتبار أنها ليست لها قيمة في الإثبات ، فذلك يخضع للسلطة التقديرية له.على شرط كما قلنا أن تكون الدفاتر منتظمة وممسوكة وفقا لما ينص عليه القانون التجاري .

ان الدفاتر التجارية الممسوكة بطريقة مخالفة للقانون لا تقبل من التاجر للادلاء بها ،كما يجب أن يكون النزاع متعلقا بواقعة تجارية ، فإذا كان النزاع حول تصرف له طابع مختلط تجاري ومدني فانه لا يمكن أن تكون لهذه الدفاتر حجة للتاجر على غيره. ويمكن كذلك للخصم أن يثبت عكس هذه البيانات الواردة فيه بجميع الطرق حتى بالبينة والقرائن.

  • الحالة الثانية : أما إذا كانت الدعوى مدنية أي الخصم ليس بتاجر فقد أجاز القانون كذلك ان يكون دفتر التاجر حجة له على غير التاجر كاستثناء و لكن بشرطين:
  • يجب أن يكون موضوع الالتزام متعلق بتوريدات سلع.
  • يجب ان لا تزيد قيمة هذه البضاعة على ما يجوز إثباته بالشهادة حسب المادة 333 من القانون المدني التي تحدد نصاب الشهادة بمائة ألف دينار.

و بتوفر هذين الشرطين جاز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى احد الطرفين.

و يظهر مما تقدم أن القاعدة العامة هي أن الدفاتر التجارية لا تكون حجة للتاجر على غير التاجر و لكنها تكون حجة على التاجر تطبيقا للمادتين 330 من القانون المدني و المادة 30 من القانون التجاري.

2- دفاتر التاجر حجة عليه:

تقضي الفقرة الثانية من المادة 330 القانون المدني بأن الدفاتر التجارية تعد حجة على صاحبها لأنها تعتبر في الواقع بمثابة إقرار غير قضائي مكتوب صادر منه و لا يهم في هذا المقام إن كان هذا الخصم تاجرا ام غير تاجر و مهما كانت طبيعة النزاع تجاري او مدني ([30]).

و لما كانت تعد بمثابة إقرار فقد انزلها المشرع منزلة الإقرار في عدم جواز التجزئة بما ورد فيها متى كانت منتظمة ، أما إذا كانت غير منتظمة فان للقاضي ان يقرر قيمتها دون أن يتقيد في ذلك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار ، إلا أن هذا الدليل يقبل إثبات العكس بكافة الطرق.

ثالثا - الدفاتر و الأوراق المنزلية:

إن المقصود بهذه الأوراق و الدفاتر المنزلية هو ما يكون لدى الشخص من دفاتر و مفكرات و أوراق مختلفة تستعمل عادة لتسجيل الأمور اليومية ، والملاحظ أن القانون لا يلزم الأشخاص بمسكها ، و لقـد

تولت المادة 331 من القانون المدني تحديد حجية هذه الأوراق و الدفاتر المنزلية علــى النحو التـالي :

" لا تكون الدفاتر و الأوراق المنزلية حجة على من صدرت منه إلا في الحالتين الآتيتين :

  • إذا ذكر فيها صراحة انه استوفى دينا.
  • إذا ذكر فيها صراحة انه قصد بما دونه في هذه الدفاتر و الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقا لمصلحته".

ومعنى هذا أن الدفاتر و الأوراق المنزلية كقاعدة عامة لا تعد دليل إثبات لأنها لا ترقى إلى مصف المحررات العرفية لانعدام التوقيع فيها، إلا انه و خروجا عن هذه القاعدة فقد قضى المشرع انه يمكن الاعتداد بهذه الدفاتر و الأوراق المنزلية كدليل في حالتين على سبيل التخصيص:

- الحالة الأولى : إذا ذكر فيها صاحبها صراحة انه استوفى دينا:

اذ يجب في هذه الحالة أن يذكر بصراحة لا تترك أي شك في مضمون هذه الكتابة بما قصده منها فسواء تعلق الأمر بمخالصة جزئية أو استيفاء لكامل الدين.ولا يلزم القانون تعبير معين فقد تكون بشطب مبلغ الدين المدون في الأوراق أو الدفاتر المنزلية أو النص بأنه استوفى دينا بصفة صريحة .

  • الحالة الثانية : إذا ذكر صراحة انه قصد بما دونه في هذه الدفاتر أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقا لمصلحته:

كمـا في الحالة السابقة اشترط المشرع أن يكون الأمر صريحا لا يدع أي شك في مقصود صاحبـه

و تعد هذه الحالة من الحالات النادرة في الواقع العملي اذ قليلا ما يلجا الافراد الى تدوين مثل هذه الامور على اوراقهم او دفاترهم المنزلية ، فان وجدت كانت حجة ضد صاحبها.

و يرى الدكتور السنهوري انه في الحالة الأولى إذا ذكر صراحة انه استوفى الدين ثم محي ما كتبــه أو شطبه بحيث أصبح غير مقروء فان حجية البيان تزول ، أما إذا بقي مقروءا فان حجيته تبقى وهذا بخلاف الحالة الثانية التي إذا قام هذا الشخص بمحو او شطب البيان فان حجيته تزول سواء أصبح مقروءا ام لا و ذلك راجع إلى أن الاعتراف بالدين ذو مخاطر كبيرة ([31]).

إن هذه الدفاتر و الأوراق المنزلية تعتبر إقرارات مكتوبة ، و يترتب على ذلك ان الخصم الذي يتمسك بالبيانات الواردة بها لا يستطيع ان يجزئها فيبعد القسم الذي لا يتفق مع ادعاءاته و يبقي القسم الذي يناسبها ، كما انه بإمكان الخصم الذي يتمسك ضده بالدفاتر ان يثبت ان تلك البيانات إنما وضعت لاحتمال وقوع الحادث إلا ان هذا الحادث لم يقع، ويجوز إثبات ذلك بكافة الطرق ([32])، و لا مجال لتطبيق قاعدة انه لا يجوز اثبات ما يخالف الكتابة الا بالكتابة ذلك لان البيان المكتوب ليس ورقة عرفية موقعة وكما انه لم يعد مقدما للإثبات

رابعا - التأشير ببراءة ذمة المدين:

أورد المشرع أحكام هذه الورقة في نص المادة 332 من القانون المدني بقوله :" التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس و لو لم يكن التأشير موقعا منه مادام السند لم يخرج قط من حيازته.

و كذلك يكون الحكم إذا اثبت الدائن بخطه دون توقيع ما يستفاد منه براءة ذمة المدين في نسخة أصلية أخرى ، أو في مخالصة و كانت النسخة أو المخالصة في يد المدين".

مضمون هذا النص جاء لمعالجة حالة من الحالات التطبيقية الغالبة بين الناس،إذ كثيرا ما يقوم المدين بالوفاء بالالتزام للدائن على دفعات و يقوم هذا الأخير بالتأشير على هذا الوفاء دون أن يقدم للمدين ما يفيد براءة ذمته و ذلك إلى غاية أن يقوم بالوفاء للدفعات الباقية ،ولقد اعتبر المشرع التأشير على هذا السند قرينة على الوفاء قابلة لإثبات العكس([33]) ولقد ميـــزت المادة 332 أعلاه بين حالتين:

الحالــــة 1- أن يكون السند المؤشر عليه في حيازة الدائن.

الحالــــة 2- أن يكون السند المؤشر عليه في حيازة المدين.

  • الحالة الأولى:الحالة التي يكون فيها السند المؤشر عليه في حيازة الدائن:

تشترط الفقرة الأولى من المادة 332 المذكورة أنفا لتحقق هذه الحالة توافر شرطين:

  • أن تكون الكتابة بخط الدائـن.
  • أن يبقى السند في حيازة الدائن.

ومثال هذه الحالة أن يقوم الدائن حين وفاء المدين جزئيا بالدين التأشير على سند الدين سواء على ظهره أو على الهامش و لهذا جعل المشرع هذا التأشير مثابة وفاء إلى حين إثبات العكس ، ومتى كان هذا السند مكتوبا بخط الدائن و مازال في حيازته الحقيقية أو الحكمية كان هذا التأشير قرينــة ضد الدائن و لكنها قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها بكافة الطرق.

  • الحالة الثانية :الحالة التي يكون فيها السند المؤشر عليه في حيازة المدين:

وهو ما تضمنته الفقرة الثانية من نفس المادة التي نستشف منها انه متى وقع تأشير بخط الدائن على نسخة أصلية لسند الدين أو مخالصة ببراءة ذمة المدين و كانت هذه النسخة أو المخالصة في يد المدين اعتبرت قرينة على حصول الوفاء إلى حين إثبات العكس.ولتحقق هذه الحالة لابد من توفر شرطيــــن :

  • أن تكون الكتابة بخط الدائن([34])إما على نسخة أصلية([35]) لسند الدين او المخالصة التي أعدت لتسجيل ما يقوم المدين بدفعه. و كل شطب او محو في السند يزيل هذه الحجية.
  • ان تكون النسخة الأصلية الأخرى أو المخالصة في يد المدين.

ان السند المحرر بيد الدائن يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة له حجيته المعينة و التي تستكمل إما بالشهادة أو القرائن إذا لم يتوفر الشرط الثاني.

المبحث الثاني : المحررات الرسمية والعرفية حسب المفهوم الحديث

سوف نتناول في هذا المبحث الثاني مفهوم المحررات الرسمية والعرفية في شكلها الحديث أو كما سماها المشرع الجزائري بالكتابة في الشكل الالكتروني و ذلك من الوجهة الفقهية و القانونية في نقطة اولى، بالإضافة إلى الشروط التي يستلزمها القانون كنقطة ثانية .

المطلب الأول: مفهوم المحررات الالكترونية.

الأكيد أن موضوع الإثبات عن طريق المحررات الالكترونية او في الشكل الالكتروني يعد من المواضيع الحديثة التي كانت وليدة التطور العلمي و التكنولوجي الهائل الذي مس ميدان المعاملات الفردية ،ونظرا لذلك فقط كان لزاما على المشرع الجزائري تدارك ذلك شأنه شأن النظم المقارنة، خاصة إذا علمنا بان أهم الحالات التي تتجسد فيها هذه المعاملات هي التجارة الدولية ، و تزداد هذه الحاجة أكثر عند انضمام بلادنا إلى المنظمة العالمية للتجارة (OMC) .

سنتناول في هذا المطلب مفهوم المحررات الالكترونية من خلال التطرق إلى المفاهيم الفقهية و القانونية في الفرعين التاليين.

الفرع الأول : المفهوم الفقهي .

تعددت التعريفات الفقهية بالنسبة لتحديد مفهوم المحررات الالكترونية و في هذا الصدد يرى الأستاذ عباس العبودي بأنها: "أسلوب للتعبير يتضمن تسطير و جمع الحروف و الكلمات في شكل مادي ظاهر ويعبر اصطلاحا عن معنى مكتمل أو فكرة مترابطة صادرة عن الشخص الذي نسبت إليه" إذا فهــي مجموعة من الحروف أو الرموز أو الأشكال أو أية وسيلة للتعبير تتضمن معنى مفيد يمكن أن يعكس إرادة الشخص الصادرة منه موجودة على دعامة الكترونية أو في شكل الكتروني و تختلف صفتها باختلاف شكلها و كذا الدعامة التي تحملها .

الفرع الثاني : المفهوم القانوني .

تقضي احكام المادة 323 مكررمن القانون المدني المعدلة بمقتضى القانون 05/10 بما يلي :"ينتج الإثبات بالكتابة من تسلسل حروف أو أوصاف أو أرقام أو أي علامات أو رموز ذات معنى مفهوم مهما كانت الوسيلة التي تتضمنها و كذا طرق إرسالها" أما المادة 323مكرر1من نفس القانون تنص على أنه :"يعتبر الإثبات بالكتابة في الشكل الالكتروني كالإثبات بالكتابة على الورق ...".

و لقد عرف المشرع المصري الكتابة الالكترونية بمقتضى الفقرة (أ) من المادة الاولى من القانون المتعلق بالتوقيع الالكتروني بانها:" كل حروف أو أرقام أو رموز أو أي علامات أخرى تثبت على دعامة الكترونية أو رقمية أو ضوئية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للإدراك" . أما المقصود‌ بالمحرر الالكتروني حسب الفقرة (ب) من نفس المادة فهي: "رسالة تتضمن معلومات تنشأ أو تدمج ، أو تخزن أو ترسل أو تستقبل كليا أو جزئيا بوسيلة الكترونية أو رقمية أو ضوئية أو بأية وسيلة أخرى مشابهة".

أما المشرع الفرنسي فانه بمقتضى القانون رقم 2000/230 ([36]) المتعلق بإدخال تكنولوجيا المعلوماتية المتعلقة بالتوقيع الالكتروني الصادر بتاريخ 13/03/2000 المعدل للقانون المدني الفرنسي و في نص المادة 1316 منه التي جاءت على النحو التالي :"يشمـل الإثبات بالكتابة كـل تدويــن للحـــروف أو العلامــات او الأرقام أو أي رمز أو إشارة أخرى ذات دلالة تعبيرية واضحة مفهومة أيا كانت الدعامة التي تستخدم في إنشائها أو الوسيط الذي تنتقل عبره " ([37]) .

إن ما يستشف من هذا النصوص أن المشرع الجزائري و على غرار غالبية التشريعات في النظم المقارنة تبنى مفهوما واسعا للإثبات عن طريق الكتابة إذ لم يبقى مقتصرا على المحررات الرسميـة و العرفية بالمفهوم التقليدي و المتجسد أساسا على الدعامة الورقية والمادية بل انتقل إلى تجسيد فكرة الإثبات عن طريق الكتابة في أي شكل كان و مهما كانت الدعامة التي تحتويه ، ولو أن أحكامه في تشريعنا الداخلي لم تتضح بعد بسبب أن النصوص المتعلق بها جاءت مقررة لمبادئ عامة، إلا أن المؤكد هو أن المشرع الجزائري كرس مبدأ الفصل ما بين الكتابة و الدعامة التي تحتويه وفتح مجال الإثبات عن طريق الكتابة مهما كان شكلها مقرا بالكتابة الالكترونية كدليل إثبات كامل .

المطلب الثاني: الشروط الواجب توافرها في المحرر الالكتروني.

لقد تناول المشرع الجزائري مسألــة المحررات في شكلها الالكتروني او الحديث في نص المواد 323مكرر،323مكرر1، 327 من القانون المدني([38]). وباستقراء هذه المواد فإننا نجد المشرع حصر الشروط التي بتوافرها تعتبر الكتابة في الشكل الالكتروني كدليل إثبات كامل هي ثلاثة شروط و هـي:

  • أولا: أن تكون هنالك كتابــــة ذات معنـى.
  • ثانيا: إمكانية التأكد و معرفة الشخص الذي أصدرها.
  • ثالثا: حفظ المحرر الالكتروني بطريقة تضمن سلامتـه.

بالإضافة إلى شرط آخر لم ينص عليه المشرع الجزائري وهو شرط التوثيق.

الفرع الأول: أن تكون هنالك كتابة ذات معنى:

تقضي المادة 323 مكرر من القانون المدني بانه : :"ينتج الإثبات بالكتابة من تسلســـل حروف أو أوصـــــاف أو أرقام أو أي علامات أو رموز ذات معنى مفهوم مهما كانت الوسيلة التي تتضمنها و كذا طرق إرسالها".

والمقصود بالكتابة الموجودة في المحرر الالكتروني و التي تكون على شكل معادلات خوارزمية تنفذ من خلال عمليات إدخال البيانات و إخراجها من خلال شاشة الحاسب و التي تتم من خلال تغذية الجهاز بهذه المعلومات عن طريق وحدات إدخال و التي تتبلور في لوحة المفاتيــح أو استرجاع المعلومات التي تتمثل في شاشة الحاسب أو طباعة هذه المحررات على الطابعـة أو الأقراص الممغنطة أو أي وسيلة من وسائل تخزين البيانات.

والكتابة حسب ما تضمنه التشريع الجزائري هي كل تسلسل لحروف أو أوصاف أو أرقام أو أية علامات أو رموز مهما كانت الدعامة و الوسيلة التي تحمل هذه الكتابة ، و الملاحظ ان مسألة تحديد مفهوم الكتابة جاء شاملا و جامعا لكل ما قد يظهر من تطور علمي في هذا المجال و هو مذهب يستحق عليه الثناء لعدم تقيد الكتابة في شكل معين او نمط خاص.

و لا يكفي ان تكون هنالك كتابة فقط بل لابد ان تكون هذه الكتابة ذات معنى مفهوم و هو شرط مألوف و لا حاجة لتقنينه لما كانت الدعامة التي ينتقل عليها المحرر دعامة مادية وورقية ،أما لما تتعلق بالكتابة في الشكل الالكتروني فالأمر مختلف كون الدعامة التي تحمله هي دعامة غير مادية و التدوين عليها يخضع لقواعد خاصة وهو ما يستلزم أن تكون ذات معنى ولو بعد ترجمتها كتابيا أو ظهورها على شاشة الحاسوب أو طباعة هذه المحررات على الطابعة أو الأقراص الممغنطة أو أي وسيلة من وسائل تخزين البيانات ([39]). كما يجب أن يكون هذا المحرر الالكتروني منصبا على مصدر الحق المراد إثباتـه و ما هذا الأمر إلا تطبيق للقواعد العامة في الإثبات.

الفرع الثاني : إمكانية التأكد و معرفة الشخص الذي أصدرها

إن انتساب المحرر لشخص معين لا يكون إلا بالتوقيع الالكتروني ، فالتوقيع هو الذي يجعل من المحرر الالكتروني صادر من طرف الأشخاص .

  • أولا: مفهوم التوقيع الالكتروني :

ظهر التوقيع الإلكتروني كمصطلح جديد نتيجة استخدام وسائل الاتصال الحديثة و الانترنت التي أحدثت ثورة هائلة في مجال المعلوماتية و الاتصالات انعكس على تعاملات الأفراد في إبرام العقود عبر هذه الوسائل حيث لا يجد التوقيع التقليدي بأشكاله المختلفة مجالا له أمام انتشار نظم المعالجة الإلكترونية ، فبدأ الحديث عن الرقم السري لكي يقوم بهذه الوظيفة ثم ظهرت صور أخرى للتوقيع الإلكتروني ساهمت في انتشار التجارة الإلكترونية و لقد تولت التشريعات الدولية و الداخلية مهمة تحديد مفهومه و شروطه فقد قضت المادة 8 من القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بأنه إذا استخدمت طريقة لتعيين هوية الشخص و التدليل عليه فان ذلك يعد توقيعا على رسالة البيانات، و عليه فان شرط التوقيع لازم للاعتداد بحجية الكتابة الالكترونية في الإثبات. أما ما ورد في التشريعات الداخلية و على سبيل المثال القانون المصري الذي عرفه في الفقرة (ج) من المادة الأولى من قانون التوقيـع الالكتروني بانه :" ما يوضع على محرر الكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها ويكون له طابع متفرد يسمح بتحديد شخص الموّقع ويميزه عن غيره".

أما المشرع الفرنسي فقد عرفه بأنه :"توقيع يتكون من مجموعة من الأرقام يرتبط بالمعلومات التي يرغب المرسل في إرسالها إلى الطرف الأخر ، و احتواء التوقيع على هذه المعطيات يدل على ارتبــاط صاحبه و اعترافه بما ورد في الوثيقة الالكترونية المرسلة " .

ولقد ساير المشرع الجزائري هذه التطورات في نص المادة 327 من القانون المدني في فقرتها الأخيرة المضافة اثر تعديل 2005 بالقانون 05/10التي جاءت على النحو التالي :" و يعتد بالتوقيع الالكتروني وفق الشروط المذكورة في المادة 323 مكرر 1 أعلاه ". أي أن المشرع لم يحصر مسألة التوقيع الالكتروني في طريقة واحدة بل جعلها عامة تتسع إلى كل اكتشاف علمي يمكن أن يظهر في المستقبل شأنها شأن الكتابة الالكترونية على التفصيل السابق إيضاحه و هذا هو عين الصواب في رأينا مادام أمر تحديد وسيلة أو طريقة أو كيفية التوقيع مقترنة بالتطور العلمي التي يستحيل تصور و جمع كل مستجداتها .

  • ثانيا : شروط التوقيع الالكتروني([40]):

تقضي الفقرة الأخيرة من المادة 327 من القانون المدني من انه يعتد بالتوقيع الالكتروني وفقا للشروط المذكورة في المادة 323 مكرر1 و هذين الشرطين الواجبين التوفر في الكتابة الالكترونية هي :

  • إمكانية التأكد من الشخص الذي وقع . و مرد هذا الشرط الى ان التوقيع ايا كانت وسيلته لابد ان يترك اثرا مميزا و مرتبطا بشخص معين.
  • أن يكون هذا التوقيع محفوظا في ظروف تضمن سلامته. و المقصود بذلك انه لكي يعتد بالتوقيع الالكتروني على التفصيل الاتي بيانه لابد ان تكون هناك امكانية من كشف أي تعديل او تبديل في بيانات التوقيع الالكتروني و لن يتسنى هذا الا اذا كان محفوظا في ظروف تضمن سلامته.
  • ثالثا: صور التوقيع الإلكتروني :

تتعدد تلك الصور باختلاف الطريقة التي يتم بها هذا التوقيع ، و مدى الأمان و درجة الثقة في التقنية المستخدمة . وتوجد عدة طرق كلها وليدة التطور التكنولوجي و لم يتولى التشريع تحديد هذه الصور لاستحالة حصرها بل حدد شروطها فقط كما رأينا. و أشهر صور التوقيع الالكتروني نورد منها :

- الصورة الأولى : التوقيع الرقمي أو الكودي:

عبارة عن رقم او رمز سري ينشئه صاحبه ثم يتم تشفيره بإحدى خوارزميات المفتاح العام و المفتاح الخاص ([41]) ، و يعتبر التوقيع الرقمي من أهم الصور نظرا لما يتمتع به من قدرة فائقة على تحديد هوية أطراف العقد تحديدا دقيقا و مميزا ، كما يضمن عدم إمكانية التدخل على مضمون التوقيع أو مضمون المحرر الذي يرتبط به . و يقوم التوقيع الرقمي على استخراج مفتاح الترميز العمومي و الذي ينشأ مفتاحين لكنهما مرتبطين رياضيا ، مفتاح عام يسمح لكل شخص مهتم بالقيام بقراءة رسالة البيانات عبر الانترنت لكن دون أن يتمكن من إدخال أي تعديل عليها ، ومفتاح خاص لا يملكه إلا صاحب التوقيع الرقمي ، حيث لا يمكن لأي عميل أو تاجر إجراء أي تعديل على هذا الرقم ، بمعنى أنه يوضع التوقيع على رسالة البيانات (سواء كان محررا أو عقدا) . ولهذا النوع من التوقيع الالكتروني تطبيقات في ميدان البنوك وكذا في ميدان المراسلات الالكترونية التي تتم مابين الموردين والمصدرين.

- الصورة الثانية : التوقيع بالرقم السري و البطاقة الممغنطة:

وينتشر ذلك مع البنوك و مؤسسات الائتمان حيث تصدر بطاقات لعملائها تمكنهم من سحب النقود من أجهزة الصرف الآلي عن طريق إدخال البطاقة و الرقم السري ، و يتم استخدام البطاقة أيضا لسداد ثمن السلع و الخدمات من خلال جهاز معين لدى المحال التجارية ([42]) .

والواقع أن عامل الأمان يفتقد بفقد البطاقة الإلكترونية من حوزة من تحت يده و قيامه بالتالي بإجراء عمليات السحب و الشراء دون التأكد من شخصية من يجدها و تحديد القائم بها ، لذا فمن الممكن أن تخضع تلك العمليات لإجراءات أمان إضافية بوضع ذبذبات صوتية ، أو بصمة أصبع حتى يمكن تفادي هذه العيوب.

- الصورة الثالثة : التوقيع باستخدام الخواص الذاتية -التوقيع البيومتري:

يعتمد في هذه الصورة على الخصائص الفيزيائية و الطبيعية للاشخاص و مثال ذلك البصمة الشخصية بصمة قزحية العين البشرية التحقق من نبرة الصوت ، بصمة الشفاه ، خواص اليد البشرية التعرف على الوجه البشري ، التوقيع الشخصي ([43]). فتلك الخواص مميزة لكل شخص ، وهذه الوسيلة تسمى بالتوقيع " البيومتري " نظرا لارتباطها بالخصائص الذاتية للشخص . ووفقا لهذه الطريقة يتم تخزين بصمة الشخص داخل الدائرة الإلكترونية للجهاز المراد التعامل معه بحيث لا يمكن أن يستجيب للشخص إلا بعد النطق بكلمات محددة أو بوضع البصمة أو المرور أمام الجهاز عندما يتأكد من عملية المطابقة الكاملة.

- الصورة الرابعة : التوقيع بالقلم الإلكتروني:

ويتم في هذه الصورة الاستعانة ببرنامج خاص يتم إعداده ليتناسب مع القلم الإلكتروني من خلال الربط بجهاز الحاسب الآلي و تتم قراءة البيانات التي تعرض على القلم من خلال الحركات التي يتم القيام بها أثناء تحريكه على الشاشة ، فيتم رسم أو إنشاء الشكل الذي يظهر التوقيع من خلاله. و يقوم هذا البرنامج بوظيفتين مميزتين الأولى هي خدمة التقاط التوقيع ، و الثانية خدمة التحقق من صحة التوقيع، اذ يقوم البرنامج أولا بتلقي بيانات العميل عن طريق بطاقة خاصة ثم يتم تشفيرها والاحتفاظ بها إلى وقت الحاجة اليها، ثم في مرحلة ثانية يتم التأكد مـن مدى صحة هــذه البيانات مــن عدمه بأسـاليب و طرق معينة ([44]).

الفرع الثالث: حفظ المحرر الالكتروني بطريقة تضمن سلامته.

ورد هذا الشرط بصفة صريحة في نص المادة 323مكرر1 من القانون المدني و مرده إلى أن المحررات الالكترونية على العكس من المحررات العادية المجسدة على الدعامة الورقية تعتبر طرق حفظها واضحة ، أما بالنسبة للمحررات في الشكل الالكتروني يجب الاحتفاظ بهابطريقة تتماشى و طبيعتها الالكترونية اما عن طريق حفظها فتتم عن طريق إدخال المعلومات أو بنود الاتفاق بين الطرفين و تخزينها كما هي و بما تحتويه من نصوص أو توقيعات في الحاسب الالكتروني .

و كما سبق بيانه فان هذه المحررات تعد محفوظة بطريقة سليمة متى أمكن اكتشاف اي تعديل او تغير فيها وبقيت على حالتها الأولى وقت التعاقد او الإبرام ، ولقد أوجد الباحثون عدة طرق للحفظ عن طريق استخدام برامج حاسب آلي بتحويل النص الذي يمكن التعديل فيـه إلى صورة ثابتـة لا يمكن التدخل فيهـا أو تعديـــلهـا و يعرف هذا النظام باسم(Document Image Processing ) و اما عن طريق النسخ في شكل دعامة مادية.

ان عملية التخزين تتم بوسائل علمية معدة خصيصا لهذه الأمور نذكر منها على سبيل المثال ([45]):

  • الشريط المغناطيسي.
  • شبــكة الانترنت.
  • الأقــراص المـــرنة CD.ROM .
  • القرص الصلب DISQUE DURE .

و الملاحظ أن المشرع الجزائري حسنا ما فعل حسب رأينا ذلك لعدم تحديده للوسائل المنوطة و الكفيلة بالحفظ حيث تقضي أحكام المادة 323 مكرر1 بما يلي :"...مهما كانت الوسيلة التي تضمنها ، و كذا طرق إرسالها "، ذلك أن مثل هذه المحررات مرتبطة بشكل وثيق بالتطور العلمي و التقني الذي يأتي دائما بالجديد و التطور المستمر.

من خلال عرض هذه الشروط نلاحظ أن التعديل و التتمة التي مست قواعد الإثبات في القانون المدني الجزائري جاءت عامة بتقرير مبادئ فقط ، الأمر الذي يبقي حالة البحث محصورة في المبادئ و مستندة أكثر على التشريعات المقارنة التي وضع اغلبها نصوص خاصة متعلقة بالاثبات الالكتروني ([46]).

وبقي لنا في الأخير ان نذكر بانه في غالبية التشريعات المقارنة تضيف شرط رابع إلى هذه الشروط ألا وهو شرط التوثيق عكس المشرع الجزائري الذي اقتصرعلى ثلاثة شروط للمحرر الالكتروني حسب ما جاءت به المادة 323 مكرر 1 من القانون المدني ([47]).

ان المقصود بالتوثيق مجموعة من الإجراءات المعتمدة و المتفق عليها بين الأطراف بهدف التحقق من أن التوقيع الإلكتروني لم يتعرض إلى أي تغييــــر أو تعديل ، و تقوم بهذه الوظيفة جهات اما حكومية او غير حكومية والتي تعمل على توثيق التوقيع الالكتروني و القيود الالكترونية المراد استخدامها في إنشاء التصرفات القانونية و المعاملات الالكترونية . و لهذا الغرض فقد انشأ على سبيل المثال المشرع التونسي الوكالة الوطنية للمصادقة الالكترونية ، أما المشرع المصري فانشأ هيئة تنمية صناعة تكنولوجيــا المعلومات ([48]).

إن هذا الأمر حسب المفهوم السابق هو ما يفتقده التشريع الجزائري و لو أن المبدأ يستشف منه التوجه إلى تحقيق مركز أو هيئة تعنى بالتوثيق الالكتروني في الجزائر ، ذلك أن المادة 323 مكرر 1 تشترط أن يكون المحرر معدا و محفوظا في ظروف تضمن سلامته، و لن يتسنى هذا الأمر حسب رأينا إلا بإيجاد هيئة على شاكلة ما أخذت به التشريعات المقارنة و تجسيده في تشريعنا الداخلي.

الفصل الثاني : حجية المحــــــــــــررات فـــــــــــــــــي شكلهـــــــا التقليـــــدي و الحــــــــــــــديث ووسائـــــــــــــــــــــل دحضهـــــــــــــــــــــــا

بعد ان تطرقنا في الفصل الأول إلى مفهوم المحررات الرسمية و العرفية في شكلها التقليدي و الحديث وكذا للشروط المستلزمة قانونا سوف نتناول في هذا الفصل الثاني حجية هذه المحررات سواء كانت في شكلها التقليدي او الحديث ، بالإضافة إلى الوسائل الكفيلة بدحض هذه الحجية و ذلك في المبحثين التاليين نخصص الأول لدراسة حجية المحررات الرسمية و العرفية سواء في شكلها التقليدي او الحديث،أما في المبحث الثاني ندرس الوسائل الكفيلة لدحض هذه الحجية .

المـبحـــث الأول : حجية المحررات الرسمية و العرفية .

إن المشرع الجزائري و على غرار التشريعات المقارنة نظم حجية المحررات الرسمية و العرفية بإيضاح و لما اعترف بالمحررات الالكترونية أورد لها أحكاما هي الأخرى و لو أنها جاءت مقتصرة على تقرير مبادئ عامة فقط كما سنراه في حينه.

و سنتناول في هذا المبحث حجية المحررات الرسمية و العرفية في شكلها التقليدي ثم في الشكـل الحديث و ذلك في المطلبين التاليين .

المطلب الأول:حجية المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهوم التقليدي .

لقد تناول المشرع حجية المحررات الرسمية و العرفية في شكلها التقليدي و ذلك بالنسبة للأطراف و من حيث البيانات الواردة فيه و كذا بالنسبة للصور.

الفرع الأول : حجية المحررات الرسمية حسب المفهوم التقليدي.

إن الحجية مفترضة في الورقة الرسمية متى كان مظهرها الخارجي سليما و لا ينبئ انها غير ذلك ، ولا يلزم من يتمسك بها ان يقيم الدليل على صحتها ، ولقد حدد المشرع الجزائري حجية المحررات الرسمية في المواد من 324 مكرر 5 الى324 مكرر 7 وسنبحث في ثلاث نقاط هذه المسألة .

  • أولا : حجية المحرر الرسمي فيما بين الأطراف:

تنص المادة 324 مكرر5 من القانون المدني:" أن العقد الرسمي يعتبر ما ورد فيه حجة حتى يثبت تزويره". كما تنص المـادة 324 مكرر 6 : "يعتبر العقد الرسمي حجة لمحتوى الاتفاق المبرم بين الأطراف المتعاقدة وورثتهم و ذوي الشأن".

أما المادة 324 مكرر 7 فتنص على انه:" يعتبر العقد الرسمي حجة بين الأطراف حتى و لو لم يعبر فيه إلا ببيانات على سبيل الإشارة شريطة ان يكون لذلك علاقة مباشرة مع الإجراء ... "

من خلال هذه النصوص يتضح جليا أن المحرر الرسمي حجة على الأطراف المتعاقدة و كذا خلفائهم العامين و ذوي الشأن أجمعين و في مواجهة الناس كافة وهذا ما أكده القانون و الفقه و القضاء عنـدنا و بالتالي فما فائدة الحصر الذي جاءت به المادة 324 مكرر6 من القانون المدني ([49]).

كما أن هذه الحجية تصدق على الغير كذلك ، و الغير الذي يحتج عليه بالمحرر الرسمي هو نفس الغير الذي تحتج عليه بالتصرف القانوني و الخلف الخاص ، فالغير الذي يسري عليه هذا التصرف أو أحد خلف طرفي التصرف ، هو وحده الذي يحتج عليه بالمحرر الرسمي المثبت لهذا التصرف ، أما الغير الذي لا يسري عليه التصرف فلا يحتج عليه بالمحرر الرسمي المثبت له و مثال ذلك المشتري الذي يسبق إلى تسجيل و قيد عقده يفضل على المشتري الآخر لنفس العقار بعقد مقيد أو تم قيده متأخرا .

  • ثانيا:حجية المحرر الرسمي فيما يتعلق بالبيانات الواردة فيه:

لابد في بادئ الأمر أن نفرق ما بين نوعين من البيانات ، بيانات قام بها الموظف العام بنفســـه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ، و بيانات أخرى تتعلق بما قام به ذو الشأن خارج مجلس العقــد و في غيبة الموظف ، وما قام به الموظف هنا ما هو إلا تدوين لبيانات بناءا على تصريحات الأطراف فإذا تعلق الأمر ببيانات قام بها الموظف في حدود اختصاصه و مهامه كالتأكد من شخصية المتعاقديـــن أو كتابة التاريخ أو توقيعه ، أو البيانات التي حصلت في حضوره كأن قدم المشتري ثمن المبيع كاملا للبائع أو التعاقد أمامه سواء كانت هذه البيانات التي حررها سمعها أو رآها ، فان هذه البيانات تكون لها حجيتها في الإثبات و لا يجوز دحضها إلا عن طريق الطعن بالتزوير.

أما إذا تعلق الأمر بالنوع الأخر من البيانات التي حررها الموظف بناءا على تصريحات الأطراف والتي تكون خارج مجلس العقد و لم يدركها الموظف بحواسه كان يثبت احد المتعاقدين انه يتمتع بكامل قواه العقلية ، او تربطهم علاقة قرابة ، فهذه البيانات لا تكون لها حجية المحرر الرسمي لأنها تدخل في صميم عمله و بالتالي يمكن دحض حجيتها بإثبات عكسها بالطرق المقررة قانونا وهذا ما ذهب إليه قرار المحكمة العليا ([50]) الذي جاء فيه انه:" من الثابت قانونا و قضاءا انه إذا كان للعقد الرسمي قوة ثبوتية حتى يطعن فيه بالتزوير فيما يخص المعاينات التي قام بها الموثق نفسه فان المعلومات الأخرى المعطاة من قبل أطراف العقد تكون لها قوة اثباتية إلى غاية تقديم الدليل العكسي ، و لما كان ثابتا- في قضية الحال- أن الفريضة التي تم على أساسها البيع أمام الموثق لم تكن تشمل جميع الورثة الرئيسيين ، بتعمد من المدينين فهذا يشكل غشا من شأنه أن يؤدي إلى بطلان البيع و من ثمة فان قضاة المجلس كانوا على صواب لما أبطلوا عقد البيع مسببين قرارهم تسببا كافيا و منه يستوجب النقض".

إن تصريحات المتعاقدين المتصلة بموضوع العقد و الواردة على السند تعتبر حجة عليهم و على خلفائهم حتى يثبت عكسها ،أما التصريحات التي لا علاقة لها مباشرة بموضوع العقد فلا يصلح السند الرسمي بالنسبة لها إلا كمبدأ ثبوت بالكتابة ([51]) ، و هو ما تؤكده الفقرة الأخيرة من المادة 324 مكرر 7 من القانون المدني .

و خلاصة القول أن كل ما تعلق بمصداقية الموظف و الثقة فيه لا يجوز الطعن فيه الا بالتزوير وفقا للقواعد المقررة قانونا و التي سنتناولها في حينها ، أما اذا لم تمس بمصداقية الموظف او الثقة فيه فيجوز إثبات عكسها بالكيفية التي حددها القانون وذلك بإثبات العكس .

  • ثالثا : حجية المحرر الرسمي بالنسبة للصور:

قبل التعرض لحجية صور المحررات لا بد لنا أن نحدد مفهوم كل من الأصل و الصورة. فالأصل هو الذي يحمل توقيعات أصحاب الشأن و الشهود و غيرهم ممن تمت الاستعـانة بهم و يحتفظ بها في مكاتب التوثيق ، أما الصورة فلا تحمل هذه التوقيعات بل هي منقولة عن الأصل بواسطة موظف عام مختص و هذا ما يعطيها صفة الرسمية، إلا إن الأمر الذي يطرح نفسه في هذا المقام هي القيمة الثبوتية لهذه الصور([52]) .

لقد تناول المشرع الجزائري حجية صور المحررات الرسمية في نص المادتين 325-326 من القانون المدني مميزا ما بين حالتين ، الحالة الأولى:وهي الحالة الغالبة في حالة وجود الأصل محفوظا لدى المكاتب التي تم فيها تحرير هذا المحرر ، و الحالة الثانية و التي من النادر جدا حصولها هي حالة عدم وجود الأصل إما لضياعه أو سرقته أو تلفه و سنفصل في هاتين الحالتين كما يلي :

1 : حالة وجود أصل الورقة الرسمية:

لقد نصت المادة 325 من القانون المدني بقولها :" إذا كان أصل الورقة الرسمية موجودا فإن صورتها الرسمية خطية كانت أو فوتوغرافية تكون حجة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة للأصــل . و تعتبر الصورة مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك احد الطرفين، فان وقع تنازع ففي هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل".

يفهم من نص هذه المادة أن الصورة الرسمية للأصل تكون لها حجية الأصل سواء كانت خطيـة أو فوتوغرافية ، و لإعطائها هذه الحجية يشترط أن تكون مطابقة للأصل و لا يقصد هنا أن تكون صورة رسمية منقولة مباشرة من الأصل بل يكفي أن تكون رسمية فقط و ذلك بان تكون منقولة عن صور الأصل . ويشترط لإعطاء الصورة ذات القوة المقررة للأصل أن تكون الصورة مطابقة للأصل إلا أن المتمسك بالصورة لا يقع عليه عبء إثبات هذه المطابقة و ذلك راجع لان المشرع أقام قرينة قانونية مفادها أن الصورة مطابقة للأصل ، ولكن هذه القرينة تعد بسيطة و ليست قاطعة اذ يمكن للخصم الآخر المنازعة في مطابقتها للأصل الأمر الذي يلزم على المحكمة في هذه الحالة مراجعة الصورة على الأصل للتأكد من المطابقة أو لا ، فإذا اتضح للمحكمة أن الصورة مطابقة للأصل كان لها القوة الثبوتية الكاملة أما إن كانت غير مطابقة للأصل فانه يتم استبعادها من ملف الدعوى.

و يلاحظ انه إذا كان مجرد إنكار او منازعة احد ذوي الشأن على مطابقة الصورة للأصل يعد كافيا لأن تأمر المحكمة بالمنازعة دون أن يكلف المنازع بتقديم الدليل على عدم المطابقة ، فان ذلك ليس معناه أن تسلب كل السلطة التقديرية للمحكمة في هذا الصدد ، فرغم الإنكار و المنازعة قد ترى المحكمة عدم وجود ضرورة لإجراء مراجعة إذا تبين لها أن الادعاء بعدم المطابقة لم يقصد به إلا المماطلة و إطالة أمد الدعوى ([53]) . وعملية التأكد من المطابقة تتم إما بإصدار أمر بإحضار الأصل او بتعيين احد قضاتها لينتقل إلى المكان الموجود فيه الأصل من اجل المطابقة و المقارنة عن طريق الإنابة القضائية ([54]).

2 : حالة عدم وجود أصل الورقة الرسمية:

تعتبر هذه الحالة من الحالات النادرة جدا في الواقع العملي اذ من القليل جدا أن يفقد أصل المحررات الرسمية ،ولقد ميز المشرع الجزائري في نص المادة 326 من القانون المدني بين ثلاثة حالات سوف نتناولها تباعا :

2-1 إذا تعلق الأمر بالصورة الرسمية الأصلية :

ان الصورة الرسمية الأصلية ([55])هي الصورة التي تؤخذ من الأصل مباشرة فقد تكون تنفيذيـة او غير تنفيذية ، مثل الصورة الأصلية الأولى التي تنقل من الأصل مباشرة عقب التوثيق وتسمى النسخ وتعطى لذوي الشأن ، و الصورة الأصلية البسيطة التي تنقل من الأصل مباشرة و لكن بعد التوثيق بمدة ، و تعطى لذوي الشأن و قد تعطى للغير بعد إذن المحكمة . ففي هذه الحالات تعد الصورة المنقولة من الأصل الضائع بذات حجية هذا الأصل متى كان مظهرها الخارجي لا يدع أي شك في مطابقتها له، أي أن هذه الصورة لا تستمد حجيتها من الأصل بل من ذاتها كون الأصل غير موجود أصلا .أما إذا كان مظهرها الخارجي يبعث على الشك كأن يكون فيها شطب او محو او حشو فان هذه الصورة تفقد حجيتها مباشرة.

2-2: إذا تعلق الأمر بالصورة الرسمية المأخوذة من الصورة الرسمية الأصلية

ان هذه الصورة لم تؤخذ من الأصل الضائع مباشرة بل نقلت عن الصورة الرسمية الأصلية ، إلا أن لها نفس حجية الصورة المأخوذة منها بشرط أن تكون الصورة الرسمية الأصلية موجودة حتى يمكن المراجعة عليها إذا نازع احد الأطراف فيها، إذ المشرع أعطى قرينة مفادها أن للصورة الرسمية حجية الصورة الأصلية ولكن تزول هذه القرينة بمجرد المنازعة .

ان حجية الصورة في هذه الحالة ليست مستمدة من ذاتها بل مستمدة من الصورة الأصلية المأخوذة عنها ، فإذا كانت مطابقة لها كانت لها حجية الصورة الأصلية على التفصيل السابق أما إذا كانت غير مطابقة للصورة الأصلية استبعدت و استبقيت الصورة الأصلية .

أما إذا كانت الصورة الأصلية غير موجودة لسبب ما،وأمام سكوت النص فقد اختلفت مواقف الأساتذة و فقهاء القانون في ذلك إذ اعتبرها الدكتور السنهوري لا حجية لها و إنما يعتد بها على سبيل الاستئناس فقط، أما الأستاذ سليمان مرقس فيرى أن لها حجية أصلها الضائع متى كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في هذه المطابقة ، أما الأستاذ أحمد نشأت فيرى انه يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ([56]).

و نحن من جهتنا فإننا نرى ما ذهب إليه الأستاذ السنهوري أجدر بالتأييد و ذلك راجع لان المشرع لو أراد أن يمنح لها حجية الصورة الرسمية الأصلية المفقودة لنص على ذلك هذا من جهة،ومن جهة أخرى فان المشرع اشترط لاكتسابها الحجية أن تكون هذه الصورة الأصلية موجودة لإمكان المراجعة متى نازع الأفراد في ذلك .

2-3 إذا تعلق الأمر بالصورة الرسمية للصورة المأخوذة من الصورة الأصلية: في هذه الحالة تتعدد الحلقات و تنفرج المسافة ما بين الصورة والأصــــــل و هنا فانه لا يعتد بها إلا لمجرد الاستئناس تبعا للظروف حسب ما أقرته الفقرة الأخيرة من المادة 326 من القانون المدني. و يرى غالبية الفقه في بلاد المشــرق و على رأسهم الأستاذ السنهوري أنها لا تصلح بأن تكون حتى مبدأ ثبوت بالكتابة ، إلا أن الأستاذ عبد الرحمان ملزي ذهب إلى عكس ذلك إذ يرى انه لا يوجد أي مانع من اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ([57]).

الفرع الثاني : حجية المحررات العرفية حسب المفهوم التقليدي.

على غرار المحررات الرسمية فإننا سنتناول حجية المحررات العرفية بالنسبة لأطراف العقد و كذا بالنسبة إلى الغير والصور ولكن قاصرين دراستنا على المحررات العرفية المعدة للإثبات فقط كوننا تطرقنا إلى حجية المحررات العرفية غير المعدة للإثبات عند تطرقنا إلى المحررات العرفية حسب المفهوم التقليدي .

  • اولا:حجية المحرر العرفي فيما بين الأطراف:

لقد أفصح المشرع الجزائري عن هذه الحجية بمقتضى نص المادة 327 من القانون المدني :" يعتبر العقد العرفي صادرا ممن كتبه أو وقعه أو وضع عليه بصمة إصبعه مـا لم ينكـر صراحـة ما هو منسوب إليه...". و معنى هذا أن المحرر العرفي لا يصبح حجة على محرره إلا إذا أنكره صراحة ، إذا فحجيته متوقفة على عدم إنكاره. فإذا لم ينكر المنسوب إليه التوقيع أو الخط ذلك صراحة عد إقرارا ضمنيا و متى كان كذلك فانه يصبح هذا المحرر في مواجهته كالمحرر الرسمي من حيث الحجية و لا يجوز له الإنكار بعد ذلك و لا يبقى بيده من اجل دحض حجيته إلا الطعن بالتزوير.

في حالة ما إذا أنكر المنسوب إليه المحرر العرفي فان ذلك يؤدي إلى زوال حجيته مؤقتا و على من تمسك به أن يثبت انه لمن نسب إليه و يتم ذلك عن طريق إجراءات التحقيق .

أما إذا كان هذا المحرر العرفي حاملا لتوقيع المنسوب إليه و كان مصادقا عليه من طرف موظف عمومي – البلدية مثلا – فان المصادقة على التوقيع يجعله رسميا و بالتالي فان دحض الحجية لا يجب أن يتم عن طريق دعوى الإنكار بل يجب أن يطعن فيه بالتزوير.

قد يحدث في بعض الحالات أن يقر الموقع على المحرر العرفي بتوقيعه او بختمه و لكن ينكر انه وقع او ختم على هذا لمحرر([58]) . إن هذه المسالة لم يرد فيها اجتهاد من المحكمة العليا و لكن بالرجوع الى القضاء المقارن و خاصة المصري منه فقد ورد قرار لمحكمة النقض بعد تذبذب و تردد في ذلك إلى القول : "متى اعترف الخصم الذي تشهد عليه الورقة بان الإمضاء أو الختم الموقع به على الورقة هو إمضاؤه او ختمه او متى ثبت ذلك بعد الإنكار بالدليل الذي يقدمه لمتمسك بالورقة ، فلا يطلب من هذا المتمسك أي دليل أخر لاعتماد حجية المحرر ... و لا يستطيع هذا الخصم التنصل مما تثبته عليه الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه هذا الصحيح إلى الورقة التي عليها التوقيع به و أقام الدليل على صحة ما يدعيه ،و معنى هذا وهو من المنطقي أن من يقر بصحة توقيعه ولكن ينكره من انه كان على هذا المحرر أن يثبت كيف كان ذلك و بكافة الطرق لأنها وقائع مادية.

أما إذا تعلق الأمر بالورثة أو الخلف فان المادة327 من القانون المدني تقضي:"...أما ورثته أو خلفه فلا يطلب منهم الإنكار و يكفي ان يحلفوا يمينا بأنهم لا يعلمون أن الخط أو الإمضاء او البصمة هو لمن تلقوا منه هذا الحق". و معنى ذلك ان المشرع اقر للورثة او الخلف طريقة من اجل دفع حجية هذا المــحرر و تكون عن طريق الدفع بالجهالة وذلك بتأدية اليمين على أنهم لا يعلمون ان الخط او الإمضـــاء او البصمة هي لمن تلقوا عنه هذا الحق ،و يؤدي ذلك إلى سقوط حجية المحرر العرفي إلى أن يقوم من يحتج به بإثبات حجيته عن طريق إجراءات التحقيق ، أما إذا لم يدفع الورثة بجهلهم فانه تثبت لها حجية كاملة و لا يبقى لهم من اجل استبعادها إلا الطعن بالتزوير .

  • ثانيا :حجية المحرر العرفي بالنسبة للغير:

الغير([59]) هو كل شخص لم يكن طرفا في العقد، و يجوز أن يسري في حقه هذا التصرف والمقصود به الخلف العام ، الخلف الخاص و الدائنين. والأصل ان الاعتراف بالخط او التوقيع الوارد في المحرر العرفي يجعله حجة على الكافة ، إلا أن المادة 328 من القانون المدني جاء في حكمها ان المحرر العرفي لا يكون حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت. الأمر الذي يلزم علينا تحديد مفهوم الغير المقصود من هذه المادة ، وكذا حالات ثبوتــه .

1- المقصود بالغير:

لم يرد تحديد مفهوم الغير بالنسبة لثبوت التاريخ في نص المادة 328 من القانون المدني إلا انه يستفاد من اجتهاد الفقه و أحكام القضاء أن المقصود به كل من يضار من تقديم أو تأخير التاريخ الوارد في المحرر المحتج به دون أن يكون طرفا في العقد أو ممثلا فيه .و يعتبر من الغير:

1-1/ الخلف الخاص : هو الشخص الذي ينتقل إليه من أحد أطراف التصرف المثبت بالمحرر حق معين بالذات ، فمشتري المنقول مثلا خلف خاص للبائع ،والموهوب له خلف خاص بالنسبة للواهب والدائن المرتهن بالنسبة للمدين الراهن ، فكل هؤلاء تسري عليهم تصرفات السلف اذا كانت سابقة على تاريخ اكتسابهم لحقوقهم لذلك كان ثبوت التاريخ مسألة هامة من اجل تحديد الآثار القانونية المترتبة على ذلك. و في هذا المقام يعطي الأستاذ عبد الرحمان ملزي مثلا كفيل بإيضاح الصورة كأن يبيع شخص مبيعا معينا فلا يحتج على المشتري بإيجار ابرمه البائع على هذا الشيء إلا إذا كان تاريخ الإيجار ثابتا و سابقا على تاريخ البيع ، فإذا كان تاريخ الإيجار ليس ثابتا او كان لاحقا لتاريخ البيع فانه لا يسري في حق المشتري ([60]).

1-2/ الدائن الحاجز : مادامت أموال المدين كلها ضامنة للوفاء فان الدائن العادي لا يعتبر من الغير بالنسبة لثبوت التاريخ ، و لما كان للقانون أن يجيز للدائن في اتخاذ بعض الإجراءات التي يترتب عليها حقه على مال معين للمدين كالحجز عليه مثلا فان للدائن حق معلوم و كل تصرف من مدينه فيما تم حجزه قد يضر به ، فلهذا يعتبر الدائن الحاجز من الغير إذ لا تسري في حقه هذه التصرفات إلا إذا كانت ذات تاريخ ثابت . فإذا كانت تصرفات المدين قد وقعت قبل الحجز فهي صحيحة و سارية في حق الدائن الحاجز متى ثبت التاريخ بالطرق المقررة قانونا ، أما إذا كان التاريخ غير ثابت فإنها لا تسري شأنها شأن التصرفات التي قام بها المدين بعد الحجز .

اما إذا تعلق الأمر بحجز ما للمدين لدى الغير فان الفقه متردد في اعتبار الدائن الحاجز من الغير و لكن الرأي الغالب يرى ان الدائن الحاجز يعتبر من الغير و منه متى تمسك المحجوز لديه بورقة عرفية تثبت لإبراء أو وفاء بالتزام اتجاه المدين لابد لكي ينفذ على الدائن الحاجز أن يكون ثابت التاريخ ([61]).

1- 3/ دائن المدين المفلس ([62]): إن الأثر القانوني المترتب على مسألة شهر إفلاس التاجر هو غل يده عن التصرف في أمواله و ثبوت حق الدائنين عليها الأمر الذي يجعل تصرفاته بالنسبة إليهم محل اعتبار كونهم قد يضارون منها ، وبالتالي فان كل تصرف لا يعتبر نافذا اتجاه جماعة الدائنين إلا إذا كان قبل شهر الإفلاس و كان ثابت التاريخ.

و يشترط في الغير الذي يتمسك بعدم الاحتجاج عليه بتاريخ المحرر العرفي لعدم ثبوته أن يكون سنده الشخصي ثابت التاريخ ،وان لا يتطلب القانون إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ كالإجراءات المحددة بشأن التصرفات الواردة على العقار. و أن يكون حسن النية أي عدم علمه السابق بحصول التصرف المثبت في المحرر العرفي الذي يراد الاحتجاج به عليه وقت نشوء حقه الذي أكسبه صفة الغير.

وحماية لهذا الغير من تقديم و تأخير هذا التاريخ فقد حددت المادة 328 من القانون المدني الحالات التي يعتبر فيها التاريخ ثابتا و هو ما سنتطرق إليه في المرحلة التالي.

2-حالات ثبوت التاريخ :

لقد أورد القانون أربعة حالات لثبوت التاريخ بالنسبة للمحرر العرفي و تقضي المادة المذكورة أعلاه انه : "لا يكون المحرر العرفي حجة على الغير في تاريخه الا منذ ان يكون له تاريخ ثابت ، و يكون تاريخ

العقد ثابتا ابتداءا..."،و هذه الحالات هي على التوالي:

2-1/ من يوم تسجيله : يقصد به التسجيل في مصلحة الطابع و التسجيل من اجل اقتضاء حقوق الدولة من الرسوم، ويكون تاريخ التسجيل هو التاريخ الثابت ، إلا أن هذه الحالة لم يبقى لها مجال في الواقع كون قانون المالية لسنة 1992 منع تسجيل المحررات العرفية و أوجب أن تفرغ جميع المحررات الخاضعة للتسجيل في الشكل الرسمي.

2 -2/ من يوم ثبوت مضمونه في محرر رسمي : مفاد هذه الحالة هو أن يتم الإشــــارة أو الإحالة أو النص في محرر رسمي على هذا المحرر و مثال ذلك أن يشير القاضي في حكمه أن المدعي قدم محرر عرفي يتضمن عقد إيجار التزم فيه المدعي عليه بدفع مبلغ 3000 دج شهريا فيعتبر تاريخ هذا الحكم هو التاريخ الثابت للمحرر العرفي.

2-3/ وفاة أحد ممن له على المحرر أثر معترف به : في هذه الحالة يفترض أن المحرر كان سابقا لتاريخ الوفاة و بالتالي يعد تاريخ الوفاة تاريخا ثابتا له. و يرى الفقه انه يضاف إلى حالة الوفاة حالات أخرى تكون فيها استحالة للكتابة ، أو للتوقيع أو البصم لعلـة في الجسـم كبتـر اليدين مثلا أو الأصبع .

2- 4/ التأشير على المحرر من طرف موظف عام : و تتجسد هذه الحالة عندما يقوم الموظف العام بالتأشير على المحرر العرفي فيصير لتاريخ التأشير طابع الرسمية دونما البيانات الواردة في المحرر.

و ما يجب الإشارة إليه هو أن القانون لا يشترط ثبوت التاريخ إلا بالنسبة للمحررات العرفية المعدة للإثبات على الوقائع القانونية التي لا تقبل الإثبات بشهادة الشهود و ما يقوم مقامها .

ولقد ورد في الفقرة الأخيرة من نفس المادة: " غير انه يجوز للقاضي تبعا للظروف ، رفض تطبيق هذه الأحكام فيما يتعلق بالمخالصة".

و المخالصات les quittances استقر الاجتهاد القضائي على انه للمدين أن يثبت تخلصه من الدين بمخالصة ليست بذات تاريخ ثابت و ذلك لضرورة عملية و لكن بالنسبة للمخالصات التي وقعت في ميعادها أما إذا كانت سابقة لأوانها فانه على المدين الذي دفع دينه قبل حلول اجله أن يقدم البينة على ذلك و انه كان الدفع حقيقا لا شبهة فيه.

  • ثالثا : حجية المحرر العرفي بالنسبة للصور:

إن المحرر العرفي يستمد حجيته و قوته من وجود كتابة عليها توقيع ، و كلما غاب التوقيع غابت الحجية ، و مهما كانت صورة المحرر العرفي خطية أو فوتوغرافية فإنها سوف تكون حتما بدون توقيع ، و لما كان الأمر كذلك فان هذه الصورة خالية من أية حجية في الإثبات اللهم إلا إذا اعتبرناها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا توفرت فيه شروطه المقررة قانونا في نص المادة 335 من القانون المدني.

المطلب الثاني : حجية المحررات الرسمية والعرفية حسب المفهوم الحديث

قد أورد المشرع الجزائري بموجب تعديل 2005 للقانون المدني أحكام عامة تتعلق بشكل جديد للإثبات عن طريق الكتابة فنص في المادة 323 مكرر 1 منه : ″يعتبر الإثبات بالكتابة في الشكل الالكتروني كالإثبات بالكتابة على الورق، بشرط إمكانية التأكد من هوية الشخص الذي أصدرها و أن تكون معدة ومحفوظة في ظروف تضمن سلامتها ″.

يتضح من النص المذكور أعلاه أن المشرع عادل في حجية الإثبات بالكتابة مهما كان شكل هذه الكتابة ، مهما كانت الدعامة التي تحملها دعامة ورقية أو دعامة الكترونية ، إلا أن ما يثير التساؤل في هذا المقام هو معنى هذا المبدأ الذي يوازي و يعادل ما بين الكتابة في شكلها التقليدي و الحديث و ما طبيعة هذه المحررات خاصة بانعدام النص القانوني هل هي بمثابة محررات عرفية فقط ام يمكن ان نعتبرها بمثابة محررات رسمية و ما هي حجيتها في الإثبات ؟.

الفرع الأول: مبدأ التعادل الوظيفي ما بين المحررات في شكلها التقليدي و الحديث

سنتطرق في هذا الفرع إلى مفهوم هذا المبدأ و كذا النتائج المترتبة عنه و أخيرا الطبيعة التي يمكن أن تطبع هذه المحررات وفقا للتشريع الجزائري مستأنسين في بعض الأحيان ببعض القوانين في النظم المقارنة .

أولا : مفهوم المبدأ : يقضي هذا المبدأ بأن المشرع لا يفرق بين القوة الثبوتية للكتابة في الشكــل التقليدي و الكتابة في الشكل الالكتروني طالما استطاعت أن تؤدي الوظيفة و المهمة التي يتطلبها القانون ذلك متى توافرت شروطه المحددة في المادة 323مكرر1 من القانون المدني، و نجد أن هذا المبدأ مكرس في التشريع الفرنسي في المادة 1316-1 ([63]) من القانون المدني و كذا التشريع المصري في مادته 15 من قانون التوقيع الالكتروني([64]) .

و معنى هذا أنه لا عبرة بالدعامة التي تحمل هذه الكتابة إذ الأمر سواء مادام المشرع قضى بأن الكتابة في الشكل الالكتروني لها نفس الحجية مع الكتابة في الشكل الورقي متى أمكن التأكد من الشخص الذي أصدرها وأنها محفوظة في ظروف تضمن سلامتها، و لقد اشترط المشرع المصري إضافة إلى الشروط الموجودة في القانون احترام الشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية .

و بعبارة أخرى فان المشرع اقر بالإثبات عن طريق الكتابة فاتحا المجال لشكلها او لأسلوبها و حتى الدعامة التي تحملها مجسدا مبدأ الفصل ما بين الكتابة و الدعامة التي تحملها.

ان مسألة التعادل الوظيفي التي كرسها المشرع تختص بالإثبات المدني دونما الإثبات التجاري لان المبدأ هو حرية الإثبات في القانون التجاري طبقا للمادة 30 منه([65]) و بالتالي المسألة مسألة تحصيل حاصل لا غير و تطبيقات لمبدأ عام فقط .

  • ثانيا : نتائج المبدأ : رغم سهولة المبدأ القاضي بعدم المفاضلة بين المحررات الالكترونية و المحررات التقليدية من حيث المفهوم النظري ، إلا انه قد تطرح مسائل عدة في الموضوع و خاصة في ظل تشريعنا الحالي ، ولعل من أهم هذه المسائل التي تطرح حالة ما إذا تم عرض محررين واحد تقليدي و الآخر الكتروني على القاضي لإثبات الواقعة نفسها فبأيهما يؤخذ ؟

من المستساغ و المتصور جدا بعد الاعتراف بالحجية الثبوتية للمحررات الالكترونية انه قد يعرض على المحكمة ملف يتضمن الادعاء بإثبات حق معين ، و لهذا الغرض قد يقدم احد الأطراف محررا مكتوبا مجسد على دعامة ورقية و الطرف الأخر يقدم محررا الكترونيا محاولا دحض مـا جاء به خصمه فهنا أي المحررين يرجح؟

في التشريع الجزائري لا يوجد أي نص كما انه على المستوى العملي لم يصادفنا أي ملف بهذا الموضوع نظرا لجدته ، إلا انه و في التشريعات المقارنة و خاصة التشريع الفرنسي قد أورد نصا يتعلق بهذه الحالة في المادة 1316 - 2 :″ إذا لم يكن هنالك نص أو اتفاق بين الأطراف يحدد أسس أخرى فانه على القاضي مستخدما كل الوسائل أن يفصل في النزاع القائم بين الأدلة الكتابية عن طريق ترجيح السند القريب إلى الاحتمال أيا كانت الدعامة المستخدمة في تدوينه″ ([66]).

و معناه أن المشرع الفرنسي اوجد قواعد موضوعية يتبعها القاضي للفصل في النزاع و هي :

1- النظر فيما إذا كان هناك اتفاق مسبق بين الطرفين حول ترجيح دليل على آخر و ما هذا إلا تطبيق للقواعد العامة التي مفادها أن القواعد الموضوعية في الإثبات هي قواعد ليست من النظام العام وضعت لمصلحة الأطراف و مع ما يتلاءم و ظروفهم.

2- حالة عدم وجود اتفاق يقوم القاضي بتحديد السند الأقرب للاحتمال مهما كانت طبيعته تقليـدي أو الكتروني و المقصود بها هو ان يكون هذا المحرر الأقرب إلى التصديق في الظروف الوارد فيها .

إن هذا النص كما قلنا لا يوجد ما يقابله في التشريع الجزائري إلا أننا لا نرى مانعا في إتباع هذه الخطوات العملية التي توفر للقاضي كامل السلطة التقديرية في البحث عن الدليل الصحيح المقدم و الاعتماد عليه للفصل في النزاع متى أمكن التأكد من توافر شروطه القانونية .

  • ثالثا : موقف المشرع الجزائري من طبيعة المحررات الالكترونية : يثور التســـاؤل في التشريع الجزائري عن طبيعة المحررات الالكترونية خاصة أمام تكتم النصوص القانونية و غموضها ذلك أن المشرع كرس مبادئ عامة فقط ، إلا أن لهذا الموضوع أهمية بالغة خاصة فيما يتعلق بمدى هذه الحجية و الوسائل الكفيلة بدحضها.

الواضح أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى هذه المسألة رغم أنه كمبدأ عام أكد على التعادل الوظيفي للمحرر الالكتروني مع المحرر الورقي من حيث الحجية في الإثبات فهل هذا الغموض كان نتيجة للسهو أم انه لا حاجة له طالما تم تقرير المبدأ العام القاضي بالتعادل الوظيفي أم أن نية المشرع اتجهت إلى استبعاد طابع الرسمية على هذه المحررات الالكترونية و اعتبارها محررات عرفية فقط لاستحالة توافر الشروط المستلزمة في نص المادة 324 من القانون المدني ، هذا الأمر جعل القانونين عندنا ينقسمون إلى فئتين :

الفريق الأول اعتبر أن أحكام المادة 323 مكرر من القانون المدني الجزائري المقابلة للمادة 1316 من القانون المدني الفرنسي تتسع لتشمل الكتابة التي تكون في الشكل الرسمي نظرا لعمومية تعريف الكتابة الواردة في النصوص السابقة ، كما أن موقعها ضمن قواعد الإثبات في مقدمة الفصل الخاص بالإثبات بالكتابة من جهة أخرى وبالتالي بإمكانها معادلة الكتابة الرسمية في الإثبات.

بينما ذهب الفريق الثاني للقول بأن هذا التدخل التشريعي يجب أن يحصر مجال إعماله في العقود العرفية وبالتالي الكتابة التي تكون في الشكل الالكتروني لا يمكن لها إلا أن تكون عرفية لكون المشرع أراد حماية رضا المتعاقدين لما اشترط إثبات بعض العقود بالكتابة الرسمية التي يشترط لصحتها حضور الضابط العمومي وتوقيعها ، وهذا الأخير هو الذي يمنحها رسميتها والذي لا يمكن حضوره إذا تعلق الأمر بالكتابة في الشكل الالكتروني.([67])

ان الأمر لا يخلو من الغموض و عدم الوضوح مما يحتم علينا الاطلاع على بعض التشريعات المقارنة مستأنسين بما تم تقريره عندهم في هذه النقطة كون المبدأ واحد . و برجوعنا إلى التشريعات المقـــارنة و خاصة التشريع المصري و الفرنسي فالمسألة قننت بكثير من التفصيل ،ذلك ان المادة 15 من قانون التوقيع الإلكتروني المصري تنص على أنه " للكتابة الإلكترونية و المحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية و التجارية و الإدارية ذات الحجية المقررة للكتابة و المحررات الرسمية و العرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية و التجارية ، متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للضوابط الفنية و التقنية التي تتخذها اللائحة التنفيذية لهذا القانون ". إذا فالأمر في التشريع المصري فصل فيه ذلك من خلال قابلية ان تكون المحررات الالكترونية في شكل رسمي او عرفي بالمفهوم التقليدي متى توافرت الشروط المقررة قانونا و كذا طبقا لللائحة التنفيذية . و هو نفس المذهب الذي كرسه المشرع الفرنسي طبقا للمادة1317 من القانون المدني إذ أضفي على المحررات الالكترونية طابع الرسمية هو الأخر مع توافرت الشروط اللازمة قانونا والتي يحددها مجلس الدولة.

وعليه فان الأمر في تشريعنا يشوبه الكثير من الغموض فان كان من جهة قد أقر مبدأ التعادل الوظيفي لحجية هذه المحررات و كذا شمولية المادة 323 مكرر التي جاءت لتشمل كل من الكتابة عن طريق المحررات الرسمية والعرفية ، فانه من جهة أخرى وأمام الشروط الواجبة بالنسبة للمحررات الرسمية طبقا للمادة 324 التي تقضي بأنه لابد أن يتم تحرير المحرر أمام موظف عام وبحضور الأطراف و أمام هذه الاستحالة مبدئيا سواء من ناحية الإمكانيات التكنولوجية أو من الناحية التشريعية- إذ صدر قانونين يتعلق الأول بتنظيم مهنة الموثق و الثاني يتعلق بتنظيم مهنة المحضر القضائي في سنة 2006 إلا أنه لم يتضمن أي حكم يتعلق بالكتابة الالكترونية– فان أمر إضفاء طابع الرسمية بالنسبة للمحررات الالكترونية ما يزال بعيد المنــال و لكن لا يوجد ما يمنع تطبيقه في التشريع الجزائري حاليا ،و لذا فإننا نرى من الأحسن لو تدخل المشرع وبالتفصيل اللازم من اجل تقنين الأمر و كذا العمل على عصرنة كل الإدارات سـواء الحكومية او المهنية بغرض تأطير ذلك و الاستفادة من التطور التكنولوجي الحاصل .

نرى من جهتنا أنه بالإمكان إضفاء طابع الرسمية على المحررات في شكلها الحديث ولكن متى أمكن سواء من الجانب البشري او المؤسساتي او العلمي احترام تطبيق الشروط المستلزمة قانونا و مرد هذا الراي نابع من الامور الاتية:

  • لا وجود لاي مانع من اضفاء الطابع الرسمي على المحرر الالكتروني متى توافرت الشروط المستلزمة قانونا في المحررات التقليدية و لو ان لكل محرر طبيعته الخاصة.
  • تكريس مبدا التعادل الوظيفي للحجية بغض النظر عن الوسيلة التي تحمل هذه الكتابة.
  • زوال الحدود الجغرافية و تاثير العولمة في الجانب الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي يحتم على المشرع الجزائري مواكبة هذه الامور خاصة و ان الجزائر على ابواب الانضمام الى المنظمة العالمية للتجارة .

لقد طرح إشكال لا يقل أهمية يتعلق بالكتابة التي تعتبر كركن للانعقاد فهل يمكن ان تكون في الشكل الكتروني ؟

لم يتم تناول هذا الإشكال في القانون الجزائري ولا حتى في النظم المقارنة فالمشرع المصري لم يتطرق لهذه النقطة و نرى من جهتنا أن مسألة قبول المحررات الالكترونية للانعقاد أمر مستبعد للخطورة التي قد تنجر عن ذلك من جهة و كذا لعدم النص الصريح من جهة أخرى وما يؤكد وجهة نظرنا هاته هو أن جل التشريعات أكدت ذلك حتى ان بعضها ذهب إلى حد استثناء بعض التصرفات من مجال استخدام الوسائل الحديثة ،وأبقت على الكتابة الخطية كشرط أساسي في إبرازها([68])

و الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها في هذا المقام انه في التشريع الجزائري لا يوجد أي نص صريح بإضفاء الرسمية على المحررات الالكترونية و لكن بالمقابل لا يوجد كذلك أي نص يمنعه خاصة أن المستشف من المبادئ المقررة حاليا في القانون المدني و المتعلقة بالمحررات الالكترونية ان المشرع اقر بالتعادل الوظيفي للمحررات تاركا الأمر إما للتعديل القانوني او للاجتهاد القضائي .

الفرع الثاني :حجية أصل المحرر الالكتروني وصوره.

سنتطرق في هذا الفرع الثاني الى موضوع حجية أصل المحرر الالكتروني وكذا الى حجية الصور المستخرجة الكترونيا .

  • أولا : حجية أصل المحرر الالكتروني : ان المشرع بإقراره الصريح للمحررات الالكترونية كدليل إثبات كامل موازنا في نفس الوقت بينها وبين المحررات في الشكل التقليدي و أمام افتقار تشريعنا الداخلي للأحكام التفصيلية و التوضيحية فيما يخص الحجية فان الأمر سيختلف فيما اذا اعتبرنا هذه المحررات الالكترونية محررات رسمية او عرفية . إلا ان الأكيد في هذا المقام ان المشرع ساوى ما بينهما و بالتالي فان الحجية ستكون بالتفصيل السابق إيضاحه عند التطرق إلى موضوع المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهوم التقليدي و لو انه لكل شكل طبيعته و مميزاته الخاصة.

  • ثانيـا: حجية الصور والمستخرجات الالكترونية ([69]): يقصد بها تلك الأوراق والمستندات المستخرجة من الحاسوب الآلي والتي تتضمن بيانات ومعلومات معينة يتم إدخالها وبرمجتها فيه واستخراجها عند اللزوم وكذلك الحال بالنسبة لأجهزة الفاكس والتلكس وأمام عدم وجود نص ينظم حجية المستخرجات الالكترونية فإن لها من الحجية ما للدليل الكامل وفقـا لقواعد الإثبات طالما كانت مطابقة للأصل الذي يتعين ضمان سلامته من خلال منع وصول أحد الطرفين إليه دون علم أو موافقة الطرف الآخر([70])، وهذا ما أكده المشرع الجزائري في نص المادة 323 مكرر1 من القانون المدني الجزائري.

الــمبحث الثاني:وسائل دحض حجية المحررات الرسمية والعرفية.

رأينا بأنه متى كانت المحررات الرسمية و العرفية محررة طبقا للقانون فإنها تكتسب حجية معينــة فالمحررات الرسمية بالمفهوم التقليدي اقر لها المشرع حجة على الكافة متى كانت هذه المحررات محررة طبقا للقانون و لا يمكن دحض هذه الحجية إلا عن طريق الطعن بالتزوير([71]) ، أما المحررات العرفية فقد ربطها المشرع بشرط عدم إنكارها من الأطراف أو بعدم الدفع بالجهالة من طرف الورثة ولكل طــريق منها إجراءات معينة ، أما إذا تعلق الأمر بالمحررات الرسمية و العرفية في شكلها الحديث فإن الأمر في التشريـع الجزائري ما يزال يشوبه الغموض سنخصص المطلب الأول للمحررات حسب المفهوم التقليدي أمـا المطلب الثاني فنخصصه للمحررات في الشكل الحديث .

المطلب الأول:بالنسبة للمحررات الرسمية و العرفية في شكلها التقليدي.

إن الأمر بالنسبة للمحررات الرسمية و العرفية ليس على نفس الحال ذلك أن القانون رسم الطرق المقررة قانونا لدحض هذه الحجية فان كانت تتعلق بالمحررات الرسمية فان دعوى التزوير هي الكفيلة بدحض هذه الحجية ، أما إذا تعلقت بالمحررات العرفية فان الوسيلة الكفيلة بذلك تكون إما بدعوى التزوير أو دعوى الإنكار والدفع بالجهالة من طرف الورثة .

الفرع الاول: بالنسبة للمحررات الرسمية .

من المؤكد ان المحررات الرسمية حجة على الكافة طبقا لما جاء في نص المادة 324مكرر5 من القانون المدني متى تم تحريرها طبقا لما يقضي به القانون إلى حين إثبات تزويرها ، و بذلك فان الوسيلة الوحيدة لدحض حجية المحرر الرسمي هي الطعن بالتزوير.وتمارس هذه الدعوى عن طريق دعوى فرعية طبقا لما اقره قانون الإجراءات المدنية الحالي و الذي عرف كثيرا من النقاشات نتيجة لغموض مــواده و عدم التفصيل فيها ، و لم يبقى الأمر كذلك بصدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية([72]) الجديد الذي جاءت مواده أكثر تفصيل مزيلة للغموض الذي عرفه القضاء عندنا .

إن المقصود بالتزوير هو إحداث تغيير مخالف للحقيقة سواء كان فعلا أو قولا أو كتابة، والتزوير نوعان إما مادي يأخذ شكل اصطناع محرر رسمي بصفة منفردة أو يكون على شكل تحريف و تغيير لمحرر موجود أصلا وذلك بالإضافة أو الحشو ،وإما تزوير معنوي لا يتضمن إضافات مادية و لكن هو تغيير للحقيقة بسوء نية أو دون ذلك، كأن يذكر مثلا تاريخ مخالف للتاريخ الحقيقي .

سنتطرق في النقطة الأولى إلى دعوى التزوير الفرعية حسب ما جاء به القانون الحالي مع الإشارة إلى أهم الأحكام التي تضمنها القانون الجديد، ثم في نقطة ثانية نتطرق إلى دعوى التزوير الأصلية .

  • أولا : دعوى التزوير الفرعية:

لقد تعرض لها المشرع الجزائري بموجب المواد 79 و 80 و المواد 155 إلى 165 من قانون الإجراءات المدنية التي جاءت ضمن الأحكام المتعلقة بمضاهاة الخطوط و كذا الإجراءات المتبعة أمام المجلس القضائي لإجراء التحقيق على التوالي. و تثار دعوى التزوير الفرعية بواسطة دفع و يكون ذلك في حالة قيام دعوى الحق و استعمال المحرر الرسمي فيها والغاية المرجوة من هذه الدعوى هي استبعاد المحرر المطعون فيه من الدعوى الأصلية و إسقاط حجيته ، و لقد شهد الفقه عندنا جدلا كبيرا عن الجهة المختصة للنظر في هذه الدعوى بين من يعطي الاختصاص للمحكمة اعتمادا على نص المادتين 79و80 و بين من يعطي الاختصاص للمجلس اعتمادا على المواد 155 و ما بعدها من قانون الإجراءات المدنية التي تتعلق بدعوى التزوير الفرعية الواردة في الكتاب الثاني المتعلق بالإجراءات المتبعة أمام المجالس القضائية . إلا أننا نرى أن هذا الجدل لم يبقى له محل كون قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد فصل الاختصاص للجهة القضائية المختصة بنظر الدعوى الأصلية طبقا للمادتين 164 و كذا 180 من نفس القانون و بالتالي فإننا نرى ان الجهة المختصة بنظرها الى الجهة الناظرة في الدعوى الأصلية ذلك من الناحية العملية و كذا المنطقية.

أما عن الإجراءات المتبعة في دعوى التزوير الفرعية فقد نظمها المشرع الجزائري في المواد 155 إلى 165 من قانون الإجراءات المدنية الحالي و المواد 179الى 188 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد، و مجمل هذه الإجراءات تخضع لنفس أحكام رفع الدعاوى و هو حق مقرر لأطراف الخصومة.ولقد اوجب القانون الحالي أن يودع المدعي بالتزوير قلم كتابة ضبط المحكمة ، مبلغا يحدده القاضي الأمر بالتحقيق وفي حالة عدم إيداعه في الوقت المحدد يستغنى عن الإجراء(المادة 44ق ا م ) ، ثم بعد ذلك يقوم القاضي بإعطاء اجل للطرف الذي ابرز الوثيقة المدعى بتزويرها ما إذا كان يتمسك باستعمالها ، فإذا قرر عدم استعمالها او سكت استبعدت الوثيقة ، أما إذا قرر التمسك بها فللمحكمة السلطة التقديرية في الفصل من عدمه في الدعوى متى كان الفصل فيها لا يتوقف على المستند المدعى بتزويره ، و للمحكمة أن تأمر متى كانت الورقة المطعون فيها بالتزوير بأن يودعها بأمانة ضبط المحكمة خلال ثلاثة أيام فإذا لم يقدمها في هذا الأجل اعتبر بأنه قرر عدم استعمالها.و أما إذا كانت مودعة بمحفوظات عمومية فانه للرئيس الأمر بتسليمها للمحكمة ،و بعد وضعها لدى المحكمة تقوم هذه الأخيرة بتحرير محضر بحالة الوثيقة و يتضمن الإشارة إلى كل أمر يتعلق بها ، و يؤشر عليها الرئيس([73]).

و بعد هذا تنتقل المحكمة إلى مرحلة الأمر بالتحقيق و الفصل في دعوى التزوير و الذي عادة ما يقوم به القاضي الفاصل في الدعوى الأصلية و يكون ذلك بتطبيق القواعد المقررة للتحقيقات وهي إما عن طريق مضاهاة الخطوط (إتباع الإجراءات الواردة في المواد 76 إلى 80 ) او عن طريق شهــادة الشهود(أحكام المواد 61 إلى 75) و إما عن طريق الخبرة (أحكام المواد 47 إلى 55 مكرر) ، أما الأوراق التي تقبل المقارنة هي على وجه الخصوص :

- العقود الرسمية التي تحمل الإمضـــاءات

- الخطوط و التوقيعات المعترف بها من الخصم

- الجزء من المستند الذي لا ينكــره الخصم .

و بعد القيام بإجراءات التحقيق تصدر الجهة القضائية حكمها سواء بصحة المحرر او بتزويره . فإذا ما قضت بصحة المحرر أخذت به في الإثبات و حكمت على الخصم الذي أنكرها بغرامة مدنية ، أما إذا حكم بتزويره فإنها قد تأمر بمحو أو إتلاف المحرر أو شطبه كليا أو شطب جزء منه أو الأمر بتصحيحـه أو إعادته إلى أصله الصحيح .

إن هذه الإجراءات هي نفسها المكرسة في القانون الجديد ولو أن أحكامه جاءت بأكثر تفصيل إذ فصل صراحة في الجهة المختصة للنظر في الدعوى الفرعية و ذلك من خلال المادتين 164 و180التي فصلت في ذلك بان الأمر يعود للجهة القضائية التي تنظر في الدعوى الأصلية . كما انه تضمن حكما في نص المادة 182 يلزم القاضي إرجاء الفصل في القضية الى حين الفصل في دعوى التزوير الفرعية بموجب حكـم و يكون هذا الحكم قابلا الى جميع طرق الطعن كما يؤمر بتسجيل المنطوق على هامش المحرر المزور و للقاضي ان يقرر اما بإعادة إدراج أصل العقد ضمن المحفوظات التي استخـــرج منها او حفظه بأمانة ضبط المحكمة.

يبقى في الأخير ان نورد انه في حالة ما اذا وجد طلب فرعي بالتزوير لمحرر في الملف فانه على القضاة الرد على هذا الطلب لان عدم الرد عليه يعد مخالفة للقانون و يترتب عليه النقض وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها:" من المقرر قانونا انه في حالة الادعاء بالتزوير يقوم رئيس الجهة القضائية بتحديد الأجل الذي يصرح خلاله لمن ابرز الوثيقة – المدعى بتزويرها- ما اذا كان يتمسك باستعمالها فان قرر انه لا ينوي استعمالها او سكت عن الرد ، استبعد المستند المذكور اما اذا قرر انه متمسك بها فانه يجوز للمجلس اما ان يوقف الفصل في الخصومة الأصلية حتى يفصل في دعوى التزوير، و اما ان يصرف النظر عن الطعن بالتزوير إذا ترأى له أن الفصل في الخصومة الأصلية لا يتوقف عن المستند المدعى بتزويره .

و لما ثبت – في قضية الحال – ان الطاعن قدم طلبا فرعيا يطعن فيه بتزوير الوثيقة المقدمة من طرف خصمه و تمسك بطلبه الى النهاية ، الا ان قضاة الموضوع لم يناقشوا هذا الدفع الجوهري الذي لو صح لتغير وجه الرأي في القضية ، لذا فان قرارهم جاء مخالف للقانون و مستوجب للنقض″.

  • ثانيا : دعوى التزوير الأصلية :

في ظل القانون الحالي لا وجود لدعوى تزوير أصلية ([74])، ولكن المشرع في نصوص قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد سار على درب التشريعات المقارنة بأن أورد في نص المادة 179 في فقرتها الأخيرة حكما يقضي بإمكانية ان ترفع دعوى تزوير أصلية حيث جاء النص بما يلي :" يقام الادعاء بالتزوير بطلب فرعي او بدعوى أصلية."

وتقضي المادة 186 من نفس القانون الجديد بأن الادعاء بالتزوير الأصلي يرفع طبقا للأوضاع المقررة لرفع الدعوى . و قد أحالت المادة 187 تطبيق إجراءات النظر في الادعاء و المحرر المطعون فيه لأحكام المواد 165، والمواد 167 إلى 170 والمادة 174 المتعلقة بالإجراءات الخاصة بالطعن بالتزوير في المحرر العرفي اذ في حالة الإنكار او الطعن بالتزوير يجوز للقاضي ان يصرف النظر عن ذلك اذا رأى ان هذه الوسيلة غير منتجة في الدعوى . أما اذا رأى العكس فانه يقوم بالتأشير على السند و يأمر بإيداعها لدى كتابة الضبط و يأمر بإجراء مضاهاة الخطوط . كما يجب تبليغ الملف الى النيابة لتقديم طلباتها المكتوبة.

ان عملية إجراء المضاهاة للخطوط تكون استنادا الى عناصر المقارنة التي توجد بحوزة القاضي و تتبع فيها الإجراءات التي سبق إيضاحها بالنسبة للدعوى التزوير الفرعية وفقا للقانون . و لقد تضمن القانون الجديد غرامات مدنية اذا ثبت من مضاهاة الخطوط ان المحرر محل النزاع مكتوب او موقع من الخصم الذي أنكره فانه يحكم عليه بغرامة خمسة ألاف دينار إلى خمسين ألف دينار دون المساس بالتعويضات المدنية تطبيقا لأحكام المادتين 187 و 183 من نفس القانون.

الفرع الثاني : بالنسبة للمحررات العرفية

إن حجية المحرر العرفي لا تتوقف على توافر شروطه فقط بل لابد ان لا ينكره الخصم او يدفع بجهالة الخط او الإمضاء او البصمة من طرف الورثة المتمسك في اتجاههم بالمحرر العرفي، وأمام هذا الأمر فانه متى كان هذا الإنكار او الدفع بالجهالة فان المحرر العرفي يفقد حجيته الى حين القيام بالتحقيق و الفصل في ذلك.

و من جهة أخرى فقد أعطى القانون للمحتج عليه بالمحرر العرفي مكنة في دحض حجية المحـرر العرفي و ذلك بالطعن فيه بالتزوير و ما هذا الا تجسيد للمادة 327 من القانون المدني .

و بالتالي فان هنالك طريقين لإسقاط حجية المحرر العرفي ، طريق يعتبر من الدفوع الشكلية و هو إنكار الخط او التوقيع او الدفع بعدم التعرف عليه، و طريق آخر يعتبر من الدفوع الموضوعية و هو الطعن بالتزوير في المحرر العرفي ، و لكل طريق إجراءاته و خصائصه و ان كانت في كثير من الأحيان تتوحد وتتشابه . و ما يجب التنويه اليه هو ان المشرع اقر بانه يمكن ان تمارس كل من دعوى مضاهاة الخطوط و التزوير عن طريق دعوى أصلية ([75]).

  • اولا : الدفع بانكار الخط او التوقيع او البصمة و الدفع بالجهالة:

لقد قررت المادة 327 من القانون المدني المذكورة بان المحرر العرفي لا يكتسب الحجية القانونية إلا إذا لم ينكره صراحة من نسب اليه . و ينصب الإنكار إما على الخط او التوقيع او البصمة ،أما اذا كان هذا المحرر متمسكا به ضد أحد الورثة فانه يكفي الوارث ان يحلف يمينا بأنه لا يعلم ان الخــــط او الإمضاء او البصمة هي لمن تلقى عنه الحق، ومعنى هذا ان الإنكار او الدفع بالجهالة هما من الدفوع الشكلية التي يجوز التمسك بهما ، و بالتالي فإذا اقر من نسب اليه المحرر العرفي او لم ينكره صراحة ثم بعد ذلك تمت مناقشة الموضوع فان دعوى الإنكار تكون غير مقبولة و لا يبقى في يد المحتج عليه بالمحرر العرفي إلا الطعن بالتزوير و هو نفس الأمر بالنسبة للوارث فإذا اقر بان الخط او الإمضاء او البصمة الموجودة على الورقة هو صحيح فانه لا يقبل منه بعد ذلك الطعن بالجهالة ، بل يجب عليه في هذه الحالة سلوك طريق الطعن بالتزوير في المحرر العرفي ، وهو نفس الأمر اذا تعلق بحالة المصادقة على الإمضــاء او البصمة من طرف ضابط الحالة المدنية فانه لا تقبل دعوى الإنكار او الجهالة و انما لابد من الطعن بالتزوير([76]).

1: إجراء التحقيق في الدفع بالإنكار للخط أو التوقيع أو البصمة:

لقد رسم المشرع الجزائري هذه الإجراءات في نص المادة 76 من قانون الإجراءات المدنية و ما بعدها ، اذ في حالة ما أنكر احد الخصوم الخط او التوقيع المنسوب إليه او ادعى عدم تعرفه على خط او توقيع الغير فيجوز للقاضي ان يصرف النظر عن هذا المحرر إذا رأى أن هذه الوسيلة غير منتجة في الدعوى ، أما اذا رأى غير ذلك فانه يقوم بالتأشير على المحرر المطعون فيه و يأمر بإجراء تحقيق الخطوط و يكون ذلك إما بمستندات او بشهود و اذا لزم الأمر فبواسطة خبير.يكون ذلك بتطبيق القواعد المقررة للتحقيقات و إعمال الخبرة على إجراءات تحقيق الخطوط.

ان ما يجب الإشارة إليه في هذا المقام ان القانون الحالي لا يعتد الا بدعوى مضاهاة الخطوط الفرعية التي تنشأ عن الدعوى الأصلية و بالتالي فان الفصل في هذه الدعوى يتوقف على الفصل في الدعوى الفرعية . إلا انه في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد تدارك المشرع ذلك في نص المادة 164 فقرة 3 و بنصه على انه :″ يمكن تقديم دعوى مضاهاة الخطوط للمحرر العرفي كدعوى أصلية أمام الجهة القضائية المختصة″.

ان مسألة التحقيق عن طريق مضاهاة الخطوط سواء كانت في القانون الحالي او الجديد فهي تشمل نفس الإجراءات تقريبا مع دعوى التزوير، اذ تأمر المحكمة بإجراء مضاهاة الخطوط اعتمادا على مستندات او على شهادة الشهود و عند الاقتضاء بواسطة خبير ، مع وجوب تبليغ الملف الى النيابة العامة لتقديم طلباتها المكتوبة ، و المستندات التي تقبل المقارنة على سبيل الخصوص هي :

- التوقيعات التي تتضمنها العقـود الرسميــة.

- الخطوط و التوقيعات التي سبق الاعتراف بها.

- الجزء من المستند موضوع المضاهاة الذي لم يتم إنكاره.

أما اذا كانت مضاهاة الخطوط سوف تتم عن طريق سماع الشهود([77]) او إجراء الخبرة فان المشرع أحال الى المواد المتعلقة بهما.

ان ما تسفر عليه هذه التحقيقات يترتب عنه أثار قانونية هامة فاذا ثبت ان المحرر المطعون فيه مكتوب او موقع من طرف الشخص الذي أنكره اوجب تغريمه بغرامة مالية محددة في القـــانون و ذلك دون المساس بالتعويضات المدنية او المصاريف القضائية.

اما اذا صدق هذا المنكر في دفعه بأن كان هذا المحرر لا يحمل خطه او توقيعه فان القاضي يستبعد هذا المحرر من ملف الدعوى دون التطرق الى مسالة التزوير.

2 : الدفع بالجهالة:

في حالة ما اذا تعلق الأمر بورثة المحتج عليه بالمحرر العرفي فان المشرع اكتفى فقط بدفعهم بالجهالة أي عدم علمهم ان الخط او الإمضاء او البصمة هي لمورثهم مع أدائهم اليمين لدحض حجية لمحرر العرفي ، و في هذا الصدد فقد جاء في حكم للمحكمة العليا يقضي بهذا المبدأ إذ جاء في القرار رقم 931 .53 بتاريخ 28/05/1990 ما يلي : "... من المقرر قانونا ان العقد العرفي يعتبر صادرا ممن وقعه ما لم ينكر صراحة اما ورثته او خلفه لا يطلب منهم ذلك و يكفي ان يحلفوا يمينا بانهم لا يعلمون ان الخط او الإمضاء هو لمن تلقوا منه هذا الحق و من ثم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون و لما كان الثابت – في قضية الحال – ان قضاة الاستئناف رفضوا طلب الورثة الخاص بأداء اليمين وفقا للمادة 327 من القانون المدني بحجة أنهم لم يطعنوا بالتزوير في العقد العرفي المنسوب إلى مورثهم اخطئوا بقضائهم كذلك في تطبيق القانون.″ ([78])

  • ثانيا: الادعاء بتزوير المحرر العرفي:

ان التزوير هو تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي بينها القانون تغييرا من شأنه ان يسبب ضرر للغير([79]). و لقد تناولت المادة 79 من قانون الإجراءات المدنية الحالي و المادة 175 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد هذه الدعوى و التي تكون متفرعة عن دعوى أصلية في شكل دفع موضوعي.

و الملاحظ في هذا المجال ان نفس الإجراءات تلتقي مع مضاهاة الخطوط الا ان وجه الاختلاف الأساسي هو في إجراء استدعاء الخصم الذي قدم المستند المدعى بتزويره ان كان يتمسك باستعماله ام لا ؟ ومرد ذلك الى ان الطعن بالتزوير فيه اتهام الى الخصم و لابد ان يكون الجواب صريحا لان السكوت يعتبر استبعاد للمحرر و تنازلا عن التمسك به ، كما ان الطعن بالتزوير في المحرر العرفي يمكن ان يكون ضد صحة التوقيع او البصمة او الخط كما يمكن ان يكون ضد بيانات المحرر العرفي ، أما الطعن بالإنكار فانه ينصب على صحة التوقيع او الختم فقط دون ما ورد في موضوع المحرر العرفي .

ان الادعاء بالتزوير لا يعد حكما منهيا للخصومة ، بل هو كما قلنا سابقا وسيلة للدفاع و اذا قضت المحكمة برفض الادعاء بالتزوير و بصحة المحرر فإنها تأخذ به في الإثبات و تستأنف نظرها للدعوى الأصلية ، أما إذا كان العكس أي قضت بان المحرر المدعى بتزويره مزور استبعدته في الدعوى الأصلية .

بقي في الأخير التنويه بما جاءت به أحكام القانون الجديد اذ أصبح من الممكن ممارسة دعوى التــزوير و كذا مضاهاة الخطوط عن طريق دعوى أصلية.

المطلب الثاني : بالنسبة للمحررات الرسمية و العرفية في شكلها الحديث .

إن كان الأمر واضحا و لا غموض فيه بالنسبة للطعن في المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهوم التقليدي فان الأمر على غير ذلك بالنسبة للمحررات الالكترونية - حسب المفهوم الحديث – و ذلك راجع إلى حداثة الموضوع و قصور التشريع عن تنظيم هذه المسألة.

و لعل المؤكد كما سبق معرفته ان المشرع الجزائري كرس مبدأ التعادل الوظيفي من حيث الحجية بالنسبة للمحررات الالكترونية ، و لو سلمنا إمكانية ان يضفى عليها وصف المحررات الرسمية و العرفية على شاكلة التشريعات المقارنة فان طبيعتها الخاصة و اختلافها عن المحررات التقليدية يجعل طــــرق و وسائل دحض حجيتها بالضرورة اما ذات طبيعة خاصة و وسائل مغايرة عن ما هو مقرر للمحررات التقليدية من دعوى الإنكار او الدفع بالجهالة او الطعن بالتزوير و إما هي نفس الإجراءات ما دام الأمر لم يرد فيه نص يقيده .

إن القيام بالتحقيق على النحو الذي فصلنا فيه بالنسبة للمحررات التقليدية أمر مستبعد مبدئيا إذ لا يمكن للمتمسك به أن ينكر التوقيع ، ذلك لان التوقيع لا يترك أثرا ماديا، إضافة إلى أن العمل بالتوقيع لا يكون إلا برقم او بإحدى الصور العلمية المتوفرة و من ثم فإنه يستحيل القيام بمضاهاة الخطوط على النحو المعروف ، و لقد أكد الواقع العملي أن عملية استعمال التوقيع أو الأرقام السرية للأطراف تكون في شكل عملية تزوير، والطعن بالتزوير في المحررات الالكترونية يتصور فيها عدة فروض منها ما يتعلق بصحة التوقيع الالكتروني او الإجراءات الخاصة بتمامه او صحته كأن تكون العملية أو المعاملة الالكترونية ليست صادرة عن صاحب الشأن الذي لم يقم بعملية السحب و أن السند الورقي المطبوع عن الكمبيوتر ليس صادرا منه ، ويقول الدكتور محمد المرسي زهرة في هذا بأنه :" قد يعترف الشخص المنسوب إليه التوقيع بأن بصمة الختم الموقع بها على الورقة هي بصم ختمه ، لكنه ينكر بأنه هو الذي قام بالتوقيع بنفسه ، تماما كمن يقر بأن الرقم السري المستخدم في السحب هو رقمه و أن البطاقة هي بطاقته ، لكنه ينكر حصول السحب منه شخصيا ، و سبب المشكلة – في الحالتين – أن الرقم كالختم تماما ، يمكن أن ينفصل عنه "

و في هذا المجال تمنينا لو ان المشرع فصل في هذا الأمر على النحو الذي يزيل به الغموض و الاختلاف شأنه في ذلك شأن المشرع المصري على سبيل المثال الذي قضى في نص المادة 17 من القانون المتعلق بالتوقيع الالكتروني على انه:" تسري في شأن إثبات صحة المحررات الالكترونية الرسمية والعرفية والتوقيع الالكتروني ، فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون أو في لائحته التنفيذية الأحكام المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية".

إذا فالمشرع المصري اخذ كمبدأ عام بنفس الأحكام المتضمنة التحقيق في حالة الدفع بالإنكار أو بالجهالة من طرف الورثة او الطعن بالتزوير من اجل إثبات صحة المحررات الرسمية و العرفية و التوقيع الالكتروني في ما لم يرد فيه نص صريح و هو حكم منطقي و عملي من حيث الأساس كون أن جل التشريعات أقرت بمبدأ التعادل الوظيفي لهذه المحررات و لو ان طبيعتها تختلف نوعا ما عن المحررات التقليدية المجسدة على الدعامة المادية. و نرى من جهتنا جواز إعمال هذا المبدأ و ذلك بتدخل المشرع إما بإيراد تشريع خاص يتعلق بالمحررات أو بتعديل للقانون المدني من اجل كثير من التفصيل .

ان مسألة التأكد من صحة اما المحرر او التوقيع الالكتروني يعد من الأمور العلمية الفنية التي تستلزم تدخل الفنيين و التقنيين في ميدان الإعلام الآلي و تكنولوجيات الاتصال نظرا لما تتسم به من تعقيـد و تركيب ، و متى كان ذلك فان اللجوء الى الخبرة من طرف القضاة أمر أكيد على ان يتضمن الحكم التحضيري تبيان المهام المسندة إلى القاضي بالتفصيل .

اما ما يتعلق بأحكام الخبرة فنرى إعمال الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية و ما يجب التذكير به أن التقرير الذي يتوصل إليه الخبير غير ملزم للقاضي .

إذا فالأمر في التشريع الجزائري ما يزال يشوبه الغموض و التداخل ذلك لان المبدأ مكرس دون التفصيل اللازم رغم ان ما بين تعديل 2005 للقانون المدني و اليوم عدة نصوص قانونية وتعديلات أهمها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد الذي ترك الامر على حاله و نتمنى ان يلعب كل من الفقه عندنا و القضاء الدور المنوط به في تفسير و تحليل النصوص القانونية خاصة وان العالم اليوم اشبه بالقرية الصغيرة و لاسيما في مجالات التجارة الدولية و الالكترونية و التعاقد عن بعد.

خاتمــــــــــــة :

يعتبر موضوع الإثبات من بين المواضيع التي تستقطب اهتمام القانونين لما لهذه المسألة من أهمية بالغة و ثقل كبير في ترجيح الكفة بين المتقاضين و تحكم القضاة في ممارسة العمل القضائي .

و لما كان موضوعنا متعلقا بالإثبات عن طريق المحررات ، فالمؤكد أن المشرع الجزائري لم يكن قبل تعديل 2005 للقانون المدني يعترف إلا بالمحررات الرسمية و العرفية حسب مفهومها التقليدي المجسد على الدعامة المادية الورقية ، و التي تناولناها في بحثنا هذا من جوانب عدة مركزين بالأساس على مدى حجية المحررات و الوسائل الكفيلة لدحض هذه الحجية .

إن المشرع الجزائري و تماشيا مع التطورات التي مست ميدان الاتصال و التعاقد عن بعد جعله يورد تعديلا للقانون المدني مضمونه التوسع في اعتماد الكتابة كدليل إثبات غير حاصر إياها في شكل معيـن أو دعامة محددة ، و لو أن ما يعاب على هذا التعديل هو اقتصاره على تقرير مبادئ عامة فقط ،الأمر الذي دفعنا في كثير من الأحيان إلى الاجتهاد الخاص من اجل تفسير النصوص القانونية و البحث عن إرادة المشرع مدعمين تحليلاتنا بالقوانين المقارنة .

إن موضوع الإثبات عن طريق المحررات في شقه التقليدي لا يطرح إشكالات كبيرة نظرا لغزارة التشريع من جهة و التفصيل من جهة أخرى و لكن و بالمقابل وأثناء معالجتنا للمحررات الالكترونية

لقينا منها ما يتعب لاقتصار القانون على تقرير المبدأ العام فقط المتمثل في أن الإثبات بالكتابة يكون بأي وسيلة و على أي دعامة ، بالإضافة إلى الغموض في النصوص القانونية سواء ما تعلق في طبيعة المحررات الالكترونية و حجيتها بالإضافة إلى الوسائل الكفيلة لدحض هذه الحجية .

لقد ورد في نص القانون تحديد الشروط القانونية المستلزمة في المحررات سواء كانت رسمية أو عرفية و متى توافرت هذه الشروط ثبتت لها حجية معينة بالتفصيل الموضح عند عرضنا للموضوع ، إلا أن هذه الحجية ليست قاطعة اذ يمكن للأطراف دحضها متى سمح القانون لهم بذلك،وفقا لإجراءات قانونية تختلف بحسب نوع المحرر و التي كانت وفقا لقانون الإجراءات المدنية الحالي تثير جملة من الإشكالات من الجانب الفقهي ، و حتى من الجانب التطبيقي، إلا أن الأمر تم تداركه بموجب قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد الساري المفعول ابتداءا من 25 ابريل 2009 .

أما عن المحررات في شكلها الحديث فالأمر غير واضح كما سبق تبيانه . إلا أن ما يمكن التأكيد عليه في هذا المقام أنه على القاضي التحكم في موضوع طرق الإثبات بصفة عامة و الإثبات عن طريق الكتابة بصفة خاصة ، حتى يمكن معالجت القضايا المطروحة أمامه و إصدار حكم مطابق للقانون ناشدا الحقيقة القضائية خاصة أمام تطور الوعي لدى المواطنين ،و اعتمادهم في معاملاتهم المتنوعة على المحررات الرسمية و العرفية دون أن ننسى اعتمادهم على الأسلوب الإلكتروني في معاملاتهم نظرا للتطور التكنولوجي . و لو أن التعامل الإلكتروني و إبرام عقود التجارة الإلكترونية في الجزائر ما زال في مهد تطورها و لم تنتشر إلى الآن بشكل واضح و كبير .

إن ما يمكن ان يعاتب المشرع عليه في ختام بحثنا هو جملة من الأمور نورد أهمها في مايلي :

- اقتصار المشرع على تقرير المبدأ العام فقط فيما يخص الكتابة في الشكل الالكتروني الأمر الذي جعل الغموض يكتنفها .

- من الأفضل لو يتدخل المشرع من اجل إما تتمت القانون المدني بالنصوص المتعلقة بالكتابة في الشكل الالكتروني ،و كذا ما يتعلق بالطرق الإجرائية الكفيلة بدحض حجيتها ،أو بسن تشريع خاص يعالج فيه الموضوع على شاكلة جل التشريعات في النظم المقارنة .

- الفصل الصريح فيما يخص موضوع طبيعة المحررات الالكترونية ، هل ذات طبيعة رسمية أم هي ذات طبيعة عرفية أم ذات طبيعة خاصة ، لما لها من أثار قانونية معتبرة سواء من حيث الحجية ، أو السائل الكفيلة لدحض حجيتها .

وفي الأخير نتمنى أن نكون قد وفقنا في بحثنا هذا و لو بالشيء القليل و ذلك من خلال إجابتنا عن الإشكالات القانونية المطروحة متمنين أن يتدخل المشرع الجزائري من اجل توضيح المسألة بالتفصيل اللازم في ما لم يرد فيه نص .

قائمـة المراجع:

أولا : النصوص القانونية :

- الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق ل 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون المدني ، المعدل و المتمم.

- الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق ل 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون التجاري ، المعدل و المتمم.

- قانون رقم 66-154 مؤرخ في 18 صفر 1386 الموافق ل8 يونيو 1966 المتضمن

قانون الإجراءات المدنية .

_ قانون رقم 08- 09 مؤرخ في 25-02-2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . الجريدة الرسمية رقم 21 لسنة 2008 .

-القانون رقم 06-02 المؤرخ في 20-02-2006 المتضمن تنظيم مهنة الموثق .

-القانون رقم 06-03

المؤرخ في 20-02-2006المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي .

-المرسوم الرئاسي رقم 02-405 المؤرخ في 26-11-2002 المتعلق بالوظيفة القنصلية .

-القانون المصري رقم15لسنة 2004 المتعلق بتنظيم التوقيع الالكتروني، و انشاء هيئة صناعة تكنولوجيا

المعلومات . الجريدة الرسمية المصرية عدد 17 المؤرخة في 22-04-2004 .

-القانون المدني الفرنسي 2000-230 المتعلق بادخال تكنولوجيا المعلوماتية المتعلقة بالتوقيع الالكتروني الصادر في 13-03 -2000 المعدل للقانون المدني الفرنسي . جريدة الرسمية رقم 62 .

ثانيا : المؤلفــــات .

-الأستاذ : أحمد ميدي . الكتابة الرسمية كدليل إثبات في القانون المدني الجزائري .دار هومه. الجزائر.الطبعة الاولى .2005.

-الدكتور: أنور سلطان. قواعد الإثبات في المواد المدنية و التجارية. دار الجامعة الجديدة للنشر . مصر. الطبعة 2005 .

-الأستاذ: ثروت عبد الحميد . التوقيع الالكتروني . دار الجامعة الجديدة . طبعة 2007.

-الدكتور: لورنس محمد عبيدات ’إثبات المحرر الإلكتروني ، رسالة دكتوراه ، دار الثقافة للنشر و التوزيع، طبعة 2005.

-الأستاذ : فيصل سعيد الغريب . التوقيع الالكتروني و حجيته في الإثبات. منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية . مصر. طبعة 2005.

-الدكتور: رمضان أبو السعود أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية . الدليل الكتابي . الدار الجامعية. طبعة 1994.

-الدكتور:عبد الزراق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ، دار ‘حياء التراث العربي بيروت ، الطبعة الأولى .

-الدكتور: همام محمد محمود زهران، أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية سنة 2002.

-الأستاذ : علاء محمد نصيرات . حجية التوقيع الالكتروني في الاثبات (دراسة مقارنة )دار الثقافة للنشر و التوزيع.الطبعة الاولى. 2005.

-الدكتور: محمد زهدور . الموجز في الطرق المدنية للاثبات في التشريع الجزائري وفق اخر التعديلات .

بدون دار نشر . طبعة 1991 .

-الدكتور: محمد حسن قاسم . أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية .منشورات الحلبي الحقوقية . لبنان . طبعة 2007 . -الأستاذ: يحيا بكوش .أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري الفقه الإسلامي. الشركة الوطنية للنشر و التوزيع . الطبعة الاولى . سنة 1981 .

-الدكتور: همام محمد زهران الوجيز في الإ

ثبات ،المواد المدنية والتجارية ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،طبعة 2003

ثالثا : المحاضــرات و المذكـــرات .

-الدكتور: عبد الرحمان ملزي . محاضرات طرق الاثبات في المواد المدنية – ملقاة على الطلبة القضاة بالمدرسة العليا للقضاء. الدفعة 17 . السنة الدراسية : 2007/2008 .

-الأستاذ: عمر زودة . محاضرات القيت على الطلبة القضاة بالمدرسة العليا للقضاء. الدفعة 17 السنة الدراسية 2006/2007 .

-مذكرة تخرج لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء . الطالب القاضي:بن مدخن لعبيدي. الطعن في المحررات التوثيقية. الدفعة 15 .

الفـــــهرس:

مقدمـــــــــة :.................................................................01

الفصل الاول : المحررات الرسمية و العرفية .......................................03

المبحث الأول : المحررات الرسمية والعرفية حسب المفهوم التقليدي ........................04 المطلب الأول :المحررات الرسمية حسب المفهوم التقليدي ................................. 04

الفرع الأول :مفهوم المحررات الرسمية.................................................04

أولا : المفهوم الفقهي ..........................................................04

ثانيا : المفهوم القانوني .........................................................05

الفرع الثاني : الشروط الواجب توافرها في المحررات الرسمية ...........................05

أولا : صدور المحرر من موظف او ضابط عمومي او شخص مكلف بخدمة عامة.....05

ثانيا : أن يتم تحرير المحرر في حدود سلطته و اختصاصه ............................06

ثالثا : أن يتم تحرير المحرر وفق الأشكال التي حددها القانون .........................07

رابعا : الآثار المترتبة عن تخلف هذه الشروط .......................................08

المطلب الثاني : المحررات العرفية حسب المفهوم التقليدي ..................................10

الفرع الأول : المحررات العرفية المعدة للإثبات ........................................10

أولا : الكتابــة ..............................................................10

ثانيا : التوقيــع................................................................10

الفرع الثاني : المحررات العرفية غير المعدة للإثبات ....................................12

أولا : الرسائـل و البرقيـات ...................................................13

ثانيا : دفاتر التجار ..............................................................14

ثالثا : الدفاتر و الأوراق المنزلـية .................................................16

رابعا : التأشير ببراءة ذمــة المدين ..............................................18

المبحث الثاني : المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهوم الحديث ...............................20

المطلب الأول : مفهوم المحررات الالكترونية .............................................20

الفرع الاول : المفهوم الفقهي ......................................................20

الفرع الثاني : المفهوم القانوني.......................................................21

المطلب الثاني : الشروط الواجب توافرها في المحرر الالكتروني ..............................22

الفرع الأول : أن تكون هنالك كتابة ذات معنى.........................................22

الفرع الثاني : إمكانية التأكد و معرفة الشخص الذي أصدرها ...........................23

أولا : مفهوم التوقيع الالكتروني ....................................................23

ثانيا : شروط التوقيع الالكتروني ....................................................24

ثالثا : صور التوقيع الالكتروني ......................................................25

الفرع الثالث: حفظ المحرر الالكتروني بطريقة تضمن سلامته..............................27

الفصل الثاني:حجية المحررات في شكلها التقليدي و الحديث ووسائل دحضها....29

المبحث الأول : حجية المحررات الرسمية و العرفية ..............................................30

المطلب الأول.حجية المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهوم التقليدي.....................30

الفرع الأول: حجية المحررات الرسمية حسب المفهوم التقليدي ............................30

أولا : حجية المحرر الرسمي فيما بين الطرفين ..........................................30

ثانيا : حجية المحرر الرسمي فيما يتعلق بالبيانات الواردة فيه ............................31

ثالثا : حجية المحرر الرسمي بالنسبة للصور .............................................32

الفرع الثاني: حجية المحررات العرفية حسب المفهوم التقليدي ............................35

أولا : حجية المحرر العرفي فيما بين الأطراف ........................................35

ثانيا: حجية المحرر العرفي بالنسبة للغير ..............................................37

ثالثا : حجية المحرر العرفي بالنسبة للصور ............................................39

المطلب الثاني:حجية المحررات الرسمية و العرفية حسب المفهوم الحديث.........................40

أولا : مفهوم المبدأ ................................................................40

ثانيا : نتائج المبدأ .................................................................41

ثالثا : موقف المشرع الجزائري من طبيعة المحررات الالكترونية ........................42

الفرع الثانـي:حجية أصل المحرر الالكتروني و صوره ..................................45

أولا : حجية أصل المحرر الالكتروني .................................................45

ثانيا : حجية الصور و المستخرجات الالكترونية .....................................46

المبحث الثاني: وسائل دحض حجية المحررات الرسمية و العرفية .................................47

المطلب الأول: بالنسبة للمحررات الرسمية و العرفية في شكلها التقليدي. ......................47

الفرع الأول:بالنسبة للمحررات الرسمية .................................................47

أولا : دعوى التزوير الفرعية .......................................................48

ثانيا : دعوى التزوير الأصلية .......................................................50

الفرع الثاني: بالنسبة للمحررات العرفية .................................................51

أولا : الدفع بإنكار الخط أو التوقيع أو البصمة و الدفع بالجهالة .......................51

ثانيا : الادعاء بتزوير المحرر العرفي ...................................................53

المطلب الثاني: بالنسبة للمحررات الرسمية و العرفية في شكلها الحديث.........................54

خاتـــمة ..............................................................................56

قائمة المراجع ..............................................................................58

الفهـــرس............................................................................60

قال العماد الأصفهاني: "إني رأيت أنه لا يكتب أحد كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استياء النقص على جملة البشر".

[1]- قانون رقم 05-10مؤرخ في 13جمادى الأول عام 1426 الموافق 20 يونيو سنة 2005 يعدل و يتمم الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 والمتضمن القانون المدني ، المعدل و المتمم .جريدة رسمية 44- 2005

[2]- و الملاحظ إن المشرع الجزائري لم يوفق حين استعماله للمصطلحات و الأمر راجع إلى الخطأ الذي وقع فيه أثناء الترجمة لكلمة

l ´ACTE و التي تطلق في اللغة الفرنسية في آن واحد على التصرف القانوني من جهة و وسيلة إثباته من جهة أخرى .أن الأمر في اللغة العربية غير ذلك، فالعقد يطلق على التصرف القانوني بمفهوم المادة 54 من القانون المدني أما أداة إثباته فهي إما سند أو محرر أو ورقة.

[3]- يعد مصطلح المحرر المصطلح الشامل و الأنسب مقارنة بمصطلح العقد أو السند و الورقة.

[4] - د / عبد الزراق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ، دار ‘حياء التراث العربي بيروت ، الطبعة الأولى ، ص 106.

[5] - د / محمد زهدور ، الموجز في الطرق المدنية للإثبات في التشريع الجزائري وفق آخر التعديلات ، بدون دار نشر ، طبعة 1991 ، ص 25

6 – الاستا\ يحيا بكوش . ادلة الاثبات في القانون المدني الجزائري والفقه الاسلامي . الشركة الوطنية للنشر و التوزيع.الطبعة الاولى سنة 1981 ص 91 .

[7] - قانون الإثبات المصري رقم 25 لسنة 1968 المعدل بالقانون رقم 23 لسنة 1992 و القانون رقم 18 لسنة 1999

[8]- حسب ما جاءت به المادة 03 من القانون 06/02 المؤرخ في 20/02/2006 المتضمن تنظيم مهنة الموثق (الجريدة الرسمية 14 لسنة 2006).

[9]- حسب ما جاءت به المادة 04 من القانون 06/03 المؤرخ في 20/02/2006 المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي( الجريدة الرسمية رقم 14لسنة 2006).

[10] - حسب ما جاءت به المادة 28 ،38 من المرسوم الرئاسي 02/405 متعلق بوظيفة القنصلية (الجريدة الرسمية رقم 79لسنة2002 ) .

[11] - الأستاذ : يحي بكوش ،المرجع السابق. ص 94.

[12]- الدكتور: عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ص 122

[13] - لقد جاء في نص المادة 324 مكرر 3 من القانون المدني وجوب حضور شاهدين في العقود التي يحررها الموظف العمومي الأمر الذي يفهم منه ان كل العقود التي يقوم بتحريرها الموثق لابد من حضور شاهدين الا ان الصحيح غير ذلك حيث انه بالرجوع الى النص الفرنسي فان العقود المقصودة هي العقود الشكلية فقط التي لا تنعقد إلا بإفراغ العقد في الشكل الرسمي و هي العقود المحددة حصرا في المادة 324 مكرر 1 من القانون المدني و بعض النصوص الخاصة ذلك أن النص الفرنســـــي تكلم عن les acte solennels و ليس Les actes authentiques .

[14] - الدكتور محمد حسن قاسم . أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية .منشورات الحلبي الحقوقية . لبنان . طبعة 2007 . الصفحة : 171

[15] - الدكتور: عبد الرحمان ملزي . محاضرات طرق الاثبات في المواد المدنية –ملقاة على الطلبة القضاة الدفعة 17 لسنة 2007/2008 . صفحة 12.

[16] - الدكتور :محمد حسن قاسم . المرجع السابق . الصفحة 175

[17] - الاستاذ يحي بكوش . المرجع السابق . الصفحة 126

[18] - بعض التشريعات كالتشريع اللبناني يشترط بالإضافة إلى هذين الشرطين شرط تعدد النسخ بالنسبة للعقود التبادلية. لكثير من التفصيل انظر د: محمد حسن قاسم- المرجع السابق – الصفحة 223 و ما بعدها .

[19] - الأستاذ: يحي بكـوش ـ المرجع السابـق ـ ص 130

[20] - الدكتور محمد حسن قاسم - نفس المرجع- ص 159 .

[21] - تعد من أوثق أشكال التوقيع ذلك لان العلم اثبت عدم تشابهها .

[22] - الدكتور همام محمد محمود زهران، أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية سنة 2002.الصفحة 160

[23] - د: محمد حسن قاسم . المرجع السابق . الصفحة 231

[24] - الأستاذ يحيى بكوش . المرجع السابق . الصفحة 161

[25] - د: أنور سلطان . قواعد الإثبات في المواد المدنية و التجارية. دار الجامعة الجديدة للنشر . مصر. الطبعة 2005

صفحة 76

[26] - المحكمة العليا قرار رقم36137 المجلة القضائية 1989 عدد3صفحة 101مما جاء فيها :"...و كان من المقرر كذلك ان الرسائل الموقع عليها تكون لها قيمة الورقة العرفية من حيث الإثبات ...".

[27] - قد يتلف الأصل إما بسبب سرقته او ضياعه او حرقه و قد تكون بسبب انتهاء المدة التي يوجب القانون الاحتفاظ فيها بالأصل .

[28] - أهم هذه الدفاتر حسب القانون التجاري هي الدفاتر الإلزامية : دفتر اليومية و دفتر الجرد.

[29] - أ . يحي بكوش – المرجع السابق – ص 172.

[30] - تعد هذه الحالة خروجا عن المبدأ القاضي بأنه لا يجوز الزام الخصم بأن يقدم دليلا ضد نفسه .

[31] - لكثير من الايضاح و التفصيل انظر د: عبد الرزاق السنهوري . المرجع السابق. الصفحة 289 .

[32] - الاستاذ : يحيى بكوش المرجع السابق . الصفحة 178.

[33] - الدكتور: عبد الرحمان ملزي . المرجع السابق . الصفحة 30.

34- على خلاف التأشير على السند الموجود في حيازة الدائن التي لا يهم ان كانت بخطه او بخط غيره ما دامت لم تخرج من حيازته.

3

5- ان المقصود هو النسخة الأصلية الأخرى و ليس الصورة و ذلك حسب النص الفرنسي SUR LE DOUBLE ORIGINAL .

[36]- JO Français n= 62du 14mars 2000page3968.

[37] - La preuve littérale, ou preuve par écrit, résulte d'une suite de lettres, de caractères, de chiffres ou de tous autres signes ou symboles dotés d'une signification intelligible, quels que soient leur support et leurs modalités de transmission

[38] - التي تقابلها المادة 18من قانون التوقيع الالكتروني المصري= " يتمتع التوقيع الالكتروني والكتابة الالكترونية والمحررات الالكترونية بالحجية في الإثبات إذا ما توافرت فيها الشروط الآتية: (أ‌) ارتباط التوقيع بالموقّع وحده دون غيره. (ب‌) سيطرة الموقّع وحده دون غيره على الوسيط الإلكتروني. (ج) إمكانية كشف أي تعديل أو تبديل في بيانات المحرر الالكتروني او التوقيع الإلكتروني . وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون الضوابط الفنية والتقنية اللازمة لذلك ″.

[39] - د: لورنس محمد عبيدات ’إثبات المحرر الإلكتروني ، رسالة دكتوراه ، دار الثقافة للنشر و التوزيع، طبعة 2005. صفحة 79

[40] - للتفصيل في المسألة انظر أ: فيصل سعيد الغريب . التوقيع الالكتروني و حجيته في الاثبات . منشورات المنظمة العربية للتنمية الادارية . مصر طبعة 2005.صفحة 220 و 221.

[41] - أ: علاء محمد نصيرات . حجية التوقيع الالكتروني في الاثبات (دراسة مقارنة )دار الثقافة للنشر و التوزيع.الطبعة الاولى. 2005. صفحة37 .

[42] - د / محمد حسين منصور ، المرجع السابق ، ص 286.

[43] - أ: علاء محمد نصيرات . المرجع السابق . صفحة 32.

[44] - أ: فيصل سعيد الغريب . المرجع السابق . صفحة 231 .

[45] - د:لورنس محمد عبيدات . المرجع السابق . صفحة 48.

[46] - اتخذ كل من التشريع المصري ، الأردني ، التونسي قوانين خاصة متعلقة بالإثبات عن طريق الكتابة الالكترونية .

[47] - شهادة التوثيق أطلقها قانون المعاملات الالكترونية الأردني، رقم 75 لسنة 2001 في المادة الثانية منه، وسماها المشرع المصري في قانون التوقيع الالكتروني في المادة 1 بشهادة التصديق الالكتروني ، أما قانون دبي للمعاملات والتجارة الالكترونية فسماها بشهادة المصادقة طبقا للمادة 3 منه.

[48] - أ: علاء محمد نصيرات . المرجع السابق . صفحة 126 و ما بعدها .

[49] - د : محمد زهدور ، المرجع السابق ، ص 30.

[50] - قرار مؤرخ في 30/04/1997 ملف رقم148561. مجلة قضائية 1997 العدد 2 ص 47

[51] - د: أنور سلطان . المرجع السابق. صفحة 52.

[52] - د: محمد حسن قاسم المرجع السابق . 187.

[53] - محمد حسن قاسم . المرجع السابق . صفحة 190 .

[54] - د محمد زهدور .المرجع السابق . صفحة 31 .

[55] - لكثير من التفصيل انظر د: عبد الرزاق السنهوري. المرجع السابق . صفحة 166.

[56] - الاستاذ : احمد ميدي . الكتابة الرسمية كدليل اثبات في القانون المدني الجزائري .دار هومه. الجزائر.الطبعة الاولى .2005.صفحة 68.

[57] - الاستاذ عبد الرحمان ملزي . المرجع السابق. صفحة 16.

[58] - يلاحظ أن المشرع الجزائري لا يعتد إلا بالإمضاء و البصم بالأصابع كشكل من أشكال التوقيع .

[59] - ان مفهوم الغير يختلف من حيث حجية البيانات الواردة فيه و ما بين ثبوت التاريخ الوارد فيه . لمزيد من التفصيل انظر د:رمضان أبو السعود أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية . الدليل الكتابي . الدار الجامعية. طبعة 1994. صفحة 314 وما بعدها .

[60] - د: عبد الرحمان ملزي . المرجع السابق . صفحة 23.

[61] - د: عبد الرزاق السنهوري . المرجع السابق . صفحة 224.

[62] - انظر عكس هذا الراي . د: عبد الرزاق السنهوري . نفس المرجع . صفحة 228.

[63]L'écrit sous forme électronique est admis en preuve au même titre que l'écrit sur support papier, sous réserve que puisse être dûment identifiée la personne dont il émane et qu'il soit établi et conservé dans des conditions de nature à en garantir l'intégrité.

[64] - نص المادة 15 :" للكتابة الالكترونية وللمحررات الالكترونية ، في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ، متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون .

[65] - المادة 30 من القانون التجاري : يثبت كل عقد تجاري :

1 – بسندات رسمية .

2- بسندات عرفية.

3- فاتورة مقبولة.

4- بالرسائل .

5- بدفاتر الطرفين.

6- بالإثبات بالبينة أو بأية وسيلة أخرى رأت المحكمة ووجوب قبولها.

[66] - ترجمة ثروت عبد الحميد . التوقيع الالكتروني . دار الجامعة الجديدة . طبعة 2007. صفحة 172 .

[67]- الدكتور سمير عبد السميع الأودن، العقد الالكتروني، نشأة المعارف, ص 157.

[68] - أنظر المادة 6 من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رقم 75 لسنة 2001 التي تنص " لا تسري أحكام هذا القانون (يقصد به قانون المعاملات الالكترونية) على ما يلي :

أ - العقود و المستندات و الوثائق التي تنظم وفقا للتشريعات خاصة بشكل معين أو تتم بإجراءات محددة و منها :

1- إنشاء الوصية و تعديلها

2- إنشاء الوقف و تعديل شروطه

3- معاملات التصرف بالأموال غير المنقولة بما في ذلك الوكالات المتعلقة بها و سندات ملكيتها و إنشاء الحقوق العينية عليها باستثناء عقود الإيجار الخاصة بهذه الأموال

4- الوكالات و المعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية

5- الإشعارات المتعلقة بإلغاء أو فسخ عقود خدمات المياه و الكهرباء و التأمين الصحي و التأمين على الحياة

6- لوائح الدعاوى و المرافعات و إشعارات التبليغ القضائية و قرارات المحاكم

ب- الأوراق المالية إلا ما تنص عليه تعليمات خاصة تصدر عن الجهات المختصة استنادا لقانون الأوراق المالية النافذ المفعول "

[69] - اعتبر المشرع المصري الصور المستنسخة من المحرر الالكتروني حجة على الكافة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة لاصل هذا المحرر و لكن بشرط ان يكون النحرر الرسمي الالكتروني و التوقيع الالكتروني موجودين على الدعامة الالكترونية . لمزيد من التفصيل انظر المادة 16من القانون المتعلق بالتوقيع الالكتروني .

[70]- الدكتور سمير عبد السميع الأودن، ،المرجع السابق, ص 170.

[71] - لا يعد الطعن بالتزوير الطريق الوحيد لدحض حجية المحرر الرسمي إذ يمكن الطعن بالبطلان كذلك . لكثير من الإثراء انظر مذكرة تخرج لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء . الطالب القاضي:بن مدخن لعبيدي. الطعن في المحررات التوثيقية. الدفعة 15

[72] - القانون رقم 08-09 مؤرخ في25/02/2008 متضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . الجريدة الرسمية رقم 21 لسنة 2008 . الساري المفعول ابتداءا من 25 أفريل 2009 .

[73]- إن إطلاع النيابة العامة على مثل هذه القضايا وجوبي طبقا لما تقضي به المادة 141من قانون الإجراءات المدنية .

[74]- ولو ان البعض من الأساتذة يرى بأنها مقبولة مادامت تهدف الى التأكد من صحة التوقيع الذي يؤكد الرضا تأسيسا على المادة 102 من القانون المدني . انظر عمر زودة . محاضرات القيت بالمدرسة العليا للقضاء.الدفعة 17 السنة الدراسية 2006/2007 .

[75] - انظر المادة 164 فقرة 3 و المادة 176 من قانون الإجراءات المدنية و الادارية.

[76] - د: رمضان ابو السعود . المرجع السابق . صفحة 411في الهامش .

[77] - تتعلق اجراءات سماعالشهود هنا بالتوقيع و ليس بالبيانات الواردة في المحرر العرفي. .

[78] - المجلة القضائية لسنة 1990 العدد الرابع . ص 61 . .

[79] - د : همام محمد زهران الوجيز في الإثبات ،المواد المدنية والتجارية ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،طبعة 2003 .. صفحة 221 .

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :